• Default
  • Title
  • Date
الأحد, 08 كانون2/يناير 2023 09:08

شيوخ السُلالة الناصورائيّة المندويّة

"أيهُّا المندائيّ:
إذا كنتَ قويّاً فكُنْ باهرَ الصِّدق, كالملِكِ الذي يضَعُ التاجَ على رأسِهِ ويَشهَرُ سيفَهُ في وَجهِ الشَّرّ" الكنزا ربا اليمين

لم يكن بودنا أن ننكأ جرحاً عميقاً في ذاكرتنا حول دسائس ومؤامرات كبيرة من داخل وخارج الطائفة, حصلت قبل حوالي ١٣٠ عام وتسببت بإضعاف دارة الناصورائيون الأوائل ونهايتها والتي انعكست تبعاتها على الطائفة لغاية الآن. ولكن أحد الأشخاص من أحفاد تلك العائلة المشتبه بها في جريمة تدمير سلالة شيوخ العائلة المندويّة, كان ينشر قصته التشهيرية حول أجدادنا مستنداً على روايتهم الكاذبة والتي ليس فيها دليل واحد. وبعد ذلك تمَّ أستغّلال هذا الموضوع لغرض الكسب المادي والاجتماعي من قبل أحد الكتاب الناقمين على الدين المندائي. فأخذ تلك الرواية وبدأ بنشر سلسلة من الكتب المُحرّفة للانتقاض من رجال الدين المندائيين بصورة عامّة, ومن دون إذننا ومن دون أن يسألنا عن جانبنا من القصة, فأجدادنا كانوا أكاليلَ اللؤلؤِ وأَحزِمَةُ الذَهَبْ.

وفي الوقت الذي نحتفظ فيه بحقنا القانوني بالرد المُناسب على جميع هؤلاء, فإننا نُحمِلَهُم مسؤولية وتبعات فتح النقاش في هذا الموضوع وما ينتُج عنه وسوف تكون لنا إجراءات أخرى مَعَهُم لاحقاً, ونرفق لكم ملابسات الرواية الحقيقية لمقتل جدنا الشيخ الجَليل عِيدانْ الشيخ داموك الشيخ صَكر وأسر عمّه ووالد زوجته وأبيه الديني الذي كرّسه الشيخ صَحَنْ الشيخ صَكر، وهي مُعززة بالوثائق والتي كانت محفوظة بسريَّة لدى جَدنا الراحل الشيخ دَخيل الشيخ عِيدان.

تَمتد سُلالة الناصورائيون الأوائل إلى عهود ترتبط ببدايات النشوء المندائي. وكما كان ولا يزال الدخول للطائفة مُغلقاً, فكذلك كان السلك الكَهنوتي المندائي وراثي ومُغلق للسلالات الناصورائية ولغاية منتصف القرن العشرين عندما سيطرت الحركة السياسيّة اليساريّة على الطائفة المندائيّة وعلى مُجتمع رجال الدين وغيروا ثوابته.

ونبدأ مع الشقيقين الجليلين الكنزبرا داموكْ والكنزبرا صحن اللذان كانا قد قاوما التَبشير المسيحي في ذلك الحين, ورفضا العروض التي كانت تأتي من بريطانيا عبر السفير البريطاني هنري لايارد ومن خلفوه في منصبه ببناء مندي للمندائيين على شرط وضع الصليب عليه بدل الدرفش المندائي. فقد كانت تلك الحُقبة التي عاشا بها لا تقلُّ خطراً على الطائفة من الحقبة الحالية, وكانت مرحلتهم مشوبة بأخطار البعثات التبشيرية الإنكليزية والفرنسية التي كانت تسعى لتنصير المندائيين بأي ثمن، مُستغلّة الفقر والتهميش والاضطهاد العثماني لأهل بلاد الرافدين. ولكن وعي القيادة المندائية ووحدة رجال الدين والتفاف المندائيين الشُرفاء حول دينهم وتمسكهم به قد أفشلت تلك البعثات, التي غالباً ما كانت تجد ضالتها مع بعض ضعاف النفوس الذين ينشقون ليصبحوا أعداء للدين المندائي.

لقد تَزَعّمَ الشيخ داموكْ رئاسة الطائفة، خلفاً لأبيه الكنزبرا صَكر الرئيس الأسبق الذي توفي حوالي عام ١٨٤٥ وبعد ٥ سنوات ذهبَ إلى عالم الأنوار. ومن ثُمَّ تزعّم أخيه الشيخ صَحَنْ ١٨٠٥-١٨٩٦ رئاسة الطائفة ولغاية وفاته, وكانَ هو وأولاده الشيوخ جادر ونادر وثامر وبِكرَه الذي لم يكن شيخاً جابر في مدينة سوق الشيوخ بينما كان الشيوخ أبناء أخيه في مدينة العِمارة. وكانت لهُم مكانة مُتميزة في المُحيط الذي عاشوا به. وقد عُرِفَ عن الشيخ صَحَنْ قوة شخصيته وقيادته وكان له مضيف كبير يحضره المندائيون والمسلمون لما كان يقوم به من مساعدة كبيرة لكل من المسلمين والمندائيين، وكانت علاقته طيبة مع مُعظم شيوخ العشائر في سوق الشيوخ بسبب مواقفه الطيبة معهم ومِنهُم شيخ مشايخ المنتفج وهو حَسن خيون الأسدي.

لقد حَكَمَ الشيخ صَحَنْ مُدَة طويلة كرئيس للطائفة ولغاية نهاية القرن التاسع عشر, وكان يَعتمد على أولاده في سوق الشيوخ وأولاد أخيه الراحل في العِمارة وعلى شيوخ آخرين في مناطق أخرى لغرض الطقوس الدينية, وكانَ هوَ الذي كَرّسَ أولاد شقيقه الراحل الشيخ داموك وهما كُل من الشيخ عيدان والشيخ جودة. حيثُ كان رئيس الطائفة ورئيس الدارة ولا توجد مجموعة أخرى تستطيع أن تُكرّسَ الشيوخ غيرها أو رُغماً عنها, وهُم كانوا يتوارثون السلك الكهنوتي ولأنه وراثي وكذلك بسبب المعرفة الناصورائية والإيمان الذي يُنشِئون عليه أبنائهُم, وكانَ الشيخ صَحَنْ قد زوَّجَ ابنتيه إلى أبناء أخيه الشيخ جودة والشيخ عيدانْ الذي كان قد رُزِقَ بولد وهو الشيخ دَخيل, ولكون الطقوس الدينية تحتاج إلى مُشاركة أكبر عدد مُمكن من الشيوخ فهُم كانوا يتزاورون بكُثرة بين العِمارة وسوق الشيوخ وقلعة صالح وغيرها من المدن التي يكثر بها المندائيون.

إن الذي يَكتُبُ عن أهله غالباً تكون حياديته التي يعلم بها الحيُّ العَظيم موضع تشكيك، ولهذا فسوف لن نقول شيئاً من قال وقيل ولكن سوف نستشهد بما كتبه الشيخ مُران الشيخ زهرون الصابوري، عن حقيقة الشيخ صَحَنْ في تذييل كتاب "كنزا ربا" الذي نسخه عام 1881 وهو محفوظ لدى أحفاد الشيخ وسلالته الممتدة إلى اليوم.

ويقول في أزهاره

(1)
"إن كان تنشدون عن شيخ صحن ابن شيخ صقر ابن شيخ بهرام المندوي، صاحب مضيف وان شاء الله ينطيه ويعلي مكانه، ماهو مخلي عايز لاعلى صبي ولا على مسلم، ويا اخوان هل تجون من عقبنه تفسير مندايي ماتعرفون كتبنالكم عربي"

(٢)

"وياخوان هل تجون من بعدنا عن شيخ صحن ابن شيخ صقر ابن شيخ بهرام بلعلم والوساعيه مامن احسن منه ولايجي غيره واحنا يادبعادايداتنا حساده كيف الله راظي عليه وناطيه من تعب ايدا عند دكاكين طين وعندا سفن ويبذل من تعبهن وهل مومنيه ماجاعد يحوش منها شي وكل مهر جرشين والباجي لربعه واناس ماهم مخلينا يوخرون الزين ويجدمون الردية وهذا الدور هيك صار"

(٣)

"ومن عقب السنتين دارت لبيت شيخ بهرام المندوي شيخ صقر وولاده وضلت بيديهم خمسين سنه الله يرضا عليهم شيخ داموك وشيخ صحن اهل مضيف وزادن نفيس من كل خاطرهم وجهن يضحك يحبون ويرحبو صبه واسلام والناس حسدتهم والعين لعبت بيهم وياهم هبت مومنين وياكلون بهل نعمه وتخابثو معهم بعض يردون المومنيه لنفسهم واهو صاحب زين ماطلعت منه ببديه والله ناطيه وراضي عليه وسع الخاطر والله لا يعثرا والحكي كثير ماينكتب ودورنا حنا ماهو زين وكلمن يريدها لنفسه وهو ماعندا بديه ويبذل عليهم"

إنَّ هذه القُصّة هي لتبيان مُلابسات جريمة قَتْل الشيخ عيدان وأسر الشيخ صَحَنْ, ونستشهد بها حَسَب الوثائق السريّة المُدرَجَة "برقيات" والتي كانت بِعُهدة جدنا رئيس الطائفة الراحل الشيخ دَخيل وهي مكتوبة بلُغة ذلك الزمان. وهي اللبيب الذي يفهم بالإشارة "الحسجة" والتي تروي الرواية الحقيقية للأحداث, وجميع هذه الوثائق صحيحة ومحفوظة في مكان آمِن وجاهزة للفحص المختبري عند الحاجة:

لقد كانَ هُنالكَ خِلاف مع إحدى العوائل المندائية عِندما رفض الشيخ صَحَن إجراء الطقوس الدينية لَهُم ومَنَعَ شيوخ دارته أيضاً. وكانت تلك العائلة المُتنفذة لها عِلاقات مع الوالي العُثماني الذي يَحكُم تلك المناطق والذي يعتاش على الرشوة. وهو ما تمَّ توثيقه عن الحُكُم في العهد العُثماني، وهؤلاء الأتراك لم يكونوا يكترثون للاضطهاد الذي كان يتعرّض له الناس قدر ما يكترثون لمنفعتهُم الشخصية.

وحَسَب تعاليم ديننا المندائي فإنَ رجُل الدين لا يستطيع أن يَمنع الطقوس عن مجموعة من المندائيين إلا في حالة كونهم خارجون عن الدين المندائي أو في حالة نيّتهُم بالحاق الأذى بالدين المندائي. ولكن هذه العائلة المُتنفذة لم تكُن تتقبل فكرة مَنع الطقوس عنهم وذلك لأنهُم سوف يُصبحون خارجين على الدين المندائي علناً, ومِن ثُمَ بدأوا بمحاولة استقدام الشيخ عيدان من العِمارة لكي يجري لهم الطقوس وأرسلوا العديد من البرقيات يتوسلون إليه أن يحضُر اليهم لغرض إجراء الطقوس, ونحنُ وجدنا ثلاث منها في تأريخ ٣٠ آب ١٨٨٩ (البرقيّات ١,٢,٣) ولكن الشيخ عيدان رفَضَ أن يأتي إليهم وأخبرهُم بوجود عمّه هُناك, وهو الذي يستطيع إجراء الطقوس لهُم, فأجابوه بأنهُم لا يُريدونَ عَمّه ويُريدونه أن يَحضُر هوَ (البرقيّة رقم ٤) في ١٧ أيلول أي بعد حوالي أسبوعين من مُخاطبتهُم الأولى.

البرقية رقم ١
4 محرم 1307 إلى 30آب1889 الجمعة
4محرم1307_30آب1889
عماره عيدان صبي
تعهد شهر قبول بحضنا ابختنا ابدينا ابرزقنا تجي سريع
فهد

البرقية رقم ٢
4 محرم 1307 إلى 30آب1889 الجمعة
4محرم1307_2_30آب1889
عماره عيدان صبي
شهر قبول بحضنا ابختنا ابدينا باولادنا ابرزقنا تجي —– بالشنطه؟ عمامه عند سهر خطوط —
سواد

البرقية رقم ٣
4 محرم 1307 إلى 30 آب 1889 الجمعة
4محرم1307_30آب1889
عماره عيدان صبي
شهر قبول بحضنا ابختنا ابدينا ابرزقنا بواولادنا تجي سريع عندنا مهوره
مبارك

بعدَ ذلك رفَضَ الشيخ عيدانْ أن يحضُر من العِمارة إلى الناصرية وعَرَفَ بقِصةِ عَمِه مع هذه العائلة وعدم جواز الطقوس لهُم, وكانت تَصِلهُ البرقيات الكثيرة مِنهُم ولمُدّة أشهُر ويُريدونه أن يأتي لهُم ولكنه رفضَ أيضاً وقال بأنّ عَمّهُ الشيخ صحن موجود هُناك ويستطيع القيام بالطقوس لهُم فأجابوه بأنهُم لا يقبلوا عمّه (البرقيّات رقم ٤ – ٥) في ١٧ أيلول ١٨٨٩ لغاية ١٣ آذار ١٨٩٠ (أو ١١ أيار).

البرقية رقم ٤
22 محرم 1307 إلى 17 أيلول 1889 الثلاثاء
22محرم1307_17أيلول1889
عماره عيدان صبي
عمك ما نقبله بختك لا تعوفنا ديننا — عرفنا
مبارك شهر

البرقية رقم ٥
22 رجب 1307 إلى 13 آذار 1890 الخميس
أو 22 رمضان 1307 إلى 11 آيار 1890
22رجب1307_13آذار1890
عماره عيدان صبي
عمك مانقبله بختك لاتعوفنا ديننا — عرفنا
سواد ازويد

لقد خافت هذه العائلة مِن افتضاح أمرَهُم بعدم جواز إجراء الطقوس الدينية لَهُم فبدأوا بوضع خُطّة بمُساعدة الجهات التبشيرية البريطانيّة والفرنسيّة المُتنفّذة في ذلك الوقت, وهي بأن يقضوا على جميع الشيوخ من عائلة الشيخ صَحَنْ وأبناء أخيه.

وفي ١٤ أيلول ١٨٩٠ جَعَلوا الشيخ جودة والذي كانَ أسيراً لديهِم بأن يُرسل برقيّة استغاثة لبيت أخيه الشيخ عيدانْ في العِمارة لكي يفتديهم بالمال (برقيّة رقم ٦)

البرقية رقم ٦
30 محرم 1308 إلى 14 أيلول 1890 الأحد
30محرم1308_14أيلول1890
عماره عيدان صبي
الطارش وصل حسن اذكرنا محبوسين عنده لا تشتكي لا عند فهد ولا غيره شروط الفدية انطيها
التريده عليها جودة

ولكن المال لم يكُن هو الدافع لهؤلاء فرفضوا أي شيء غير قدوم الشيخ عيدان بنفسه وبعد عِدّة أشهُر وافق الشيخ عيدانْ بأن يأتي لهُم بنفسه وأن يفتدي أخوته الأسرى وأرسلوا له مكان اللقاء (برقيّة رقم ٧)

البرقية رقم ٧
28 جمادي ثان 1308 إلى 7 شباط 1891 السبت
28جمادي_ثان1308_7شباط1891
عماره محي صبي
خبر عيدان احنا جايين مضبطه وديناه للوالى اذا طب البصره يعرفنا تيل عجل مبارك

وحَضَرَ الشيخ عيدانْ من العِمارة ولكنهُم لم يُطلقوا الأسرى, وذلك حَسَب مُتطلبات المنظمات الخارجيّة وطقوسهُم التي كانت تقوم على تقديم القرابين لآلِهتَهُم عبر التضحية بشخص ذو شأن مِن أعدائهُم في نفس يوم عيدَهُم. وهذا مُتعارف عليه لديهم. أمّا المندائيون فيُحَرِّمون القرابين, ولهذا فقاموا بعمل الطقوس اللازمة لهذه الجريمة وبعد أن سَمَحوا للشيخ الشهيد بأن يتوضأ في أول صباح لعيد البرونايا, أطلقوا رصاصة الغدر في قلبه في ذلك المكان الذي وَصَفَه حفيدَهُم (مزرعة معزولة تقع على النَهَر) حيث قامت نفس العائلة التي قُتل الشيخ عيدان في أرضهم المعزولة والمسيّجة بتلفيق قصة لا تُعقل بعد أن غَدروا بالشيخ، فقالوا بأن عمّه ووالد زوجته وأبيه الروحي الذي كرسه للسلك الديني, كان هو من أرسل القاتل بسبب خلافهم على أجور المهر والطقوس متناسين بأن الشيخ صَحَنْ كان من أغنى المندائيين كما نقرأ من أزهار الشيخ مران الصابوري, ومن مصادر أخرى تُنشر لاحقاً. فكانت أراضي الشيخ الزراعيّة كبيرة جداً بالإضافة للعقارات والمحلات وسفن الصيد, وفوق كل هذا فهو رئيس الطائفة وشيخ جليل يخاف ربّه بشهادة جميع التوثيقات, ولم نسمع بقصّة لمعتوه يستطيع قتل أبن أخيه الذي زوجّه أبنته وكرّسه للسلك الديني ولا حتى مع أعتا المُجرمين, فكيف بكنزبرا ناصورائي تقي عُمره كان يقترب من التسعين وثلاثة من أبنائه الأربعة كانوا شيوخ وثلاثة منهم جابر وجادر ونادر متزوجون من أخوات الشيخ عيدان وأختهم صبريّة متزوجة من الشيخ جودة شقيق الشيخ عيدان؟
بعد أن غدروا بالشيخ أبقوا الأسرى في التعذيب ليساوموا ذويهم بالكتمان ولكي لا تثور العشائر المندائية ضِدّهُم (برقية رقم ٨) وإلا فسوفَ يقتُلوهُم جميعاً ويُلصقون التُهمةَ بأعداء غادرون. فسكتَ الشيوخُ المُسالمون الذينَ يُقتَلونَ ولا يقتِلون ويُظلَمون ولا يَظلِمون, ولَم يكُن هنالك مَن يستطيع مُساعدتهُم ومُجابهة سُلطة الوالي العُثماني الفاسدة والمُرتَشية.
البرقية رقم ٨
9 شعبان 1308 إلى 19آذار1891 الخميس
9شعبان1308_19آذار1891
عماره عيدان صبي
— وصل الساعي مني اخوتك احبهم ماتو غدر لاتسوى تجي انفكهم اما تهلك وراهم تجي عرفنا
مبارك.
أنّ دافع القتل من تلك العائلة بسبب عدم أجراء الطقوس لهم من قبل عائلة الشيوخ هو كبير ولا يُمكن أنكاره. وهَل مَنَعَ عنهُم الطقوس بسبب خروجَهم على الدين المندائي أم بسبب رغبتَهُم في إيذاء الدين المندائي ومُساعدة التبشيريين التابعين للمنظمات المسيحيّة الغربيّة الذين كانوا يريدون أبدال الدرابشا المندائي بالصليب المسيحي، والذي كان الشيخ صَحَنْ وأبنائه وأبناء أخيه شوكَة في خاصِرَتَهُم؟
فكانوا يتوسلون للشيخ عيدان أن يأتي إليهِم لغرض الطقوس وكان هو يرفُض ذلك حسب البرقيات, ولأنهم في البداية كانوا يتذرّعون بالطقوس لجلب الشيخ عيدانْ وأسره ولكن الشيخ الناصورائي كان قد عرف بخطتهم فلم يأتي لهم, ولغاية أن بدأ تهديدهم بقتل أخوته الأسرى لديهم (برقيّة ٦) حيثُ نُلاحظ بأنَّ الهجوم كانَ على جَميع الشيوخ من هذه العائلة وامتداداتها في العِمارة. ومِن البرقيات نَعرِف بأن الشيخ عيدان لم تكُن لديه أية مشاكل مع عمّه ووالد زوجته الشيخ صَحَنْ بدليل البرقيّات (رقم ٤ و ٥) والتي يقول لهم فيها بأن يذهبوا لعمّه لغرض الطقوس. ولكن المشاكل بدأت بين الشيخ صَحَنْ معَ تلك العائلة عِندَ توقفه عن إجراء الطقوس ومَنعَه شيوخ دارته أيضاً وهذا حسب تواريخ الوثائق المُرفقة, وهذا ليس أدعاء فنحنُ أبناءُ النور لا نرمي التُهم جزافاً ونحتَرم الجميع ولا نُهينُ أحداً إلا مَنْ يهينُ نَفسَه.
"لاتُبَدِّلوا في الكلامْ, ولاتُحبُّوا الكَذِبَ والآثامْ" الكنزا ربا اليمين
وبعد أن قُتِلَ الشيخ عيدان بمدة من الزمن, وبمُساعدة الوالي العثماني المُرتشي فقد لفقوا تُهمة للشيخ صَحَنْ بكونه ضمن الثورة العربيّة ضد العثمانيين التي كان يقودها حَسن خيون الأسدي. فأسروا الشيخ صَحَنْ وأولاده الشيوخ, ولم يكونوا راغبين ببقاء أي أحد من شيوخ هذه العائلة خوفاً منهُم بأن يُفشوا السِر. وهو إمّا خروجهُم عن الدين المندائي أو تعاونهُم مع التبشيريين الغربيين الذين كانوا نَشطين في تلك الفترة والذين كانوا يُريدون تنصير جميع المندائيين ويجزلون العطاء لمن يُساعدهُم, وذلك لأن الكنيسة كانت هي التي تَحكم الدول الغربيّة في ذلك الزمان, وأنّ الدين المندائي يمثّل تهديداً جديّاً لفلسفتهم الدينيّة.
فسكتَ من تبقّى من الأقرباء الذين كانوا يَعرفون القصّة التي حَدَثت, خوفاً على حياة مَن تبقّى من إخوانِهم وهَرَبَ الشيخ ثامِر والشيخ جادِر ولدي الشيخ صَحَنْ الآخرين إلى الأهواز, ولكن الشيخ صَحَنْ وأولاده جابر والشيخ نادِر بقوا في سجون الوالي العُثماني بحجة الثورة على الدولة العثمانية ومساعدة الخيون في ثورته. وفي السجن تمّت تصفية جابر لأنه لم يكن ضمن السلك الديني.
"إنْ أصابَكم سوءٌ فاصبِروا, واثبُتُوا في إيمانِكم" الكنزا ربا اليمين
وأمّا الشيخ صَحَنْ وأبنه الشيخ نادِر فقد تركوهم في السجن, فتوفيَّ الشيخ صَحَنْ بعد أشهر قليلة من أسره. حيث كانت أبنته مكيّة زوجة الشيخ عيدان تجلب له الماء من النهر وبعض الطعام كل يوم إلى السجن, وهي تسير مسافات طويلة كما تروي لنا عمتنا حلوة الشيخ آدم الشيخ جادر زوجة المرحوم زهرون وهام الشيخ سام أطال الله عمرها. وبعد فترة أُخرج الشيخ نادر بمُساعدة أقرباءه وتأثير الشيوخ المندائيين الآخرين ودفعهُم الرشى للسجّان العُثماني. وقامت السلطة العُثمانية بالاستيلاء على جميع مُمتلكات وأراضي الشيخ صَحَنْ فهم كانوا يعتبرون بأن أملاك الصابئة حلال نهبها.
ونعود لنأخذ ما تمّ ذكره عن قصّة الشيخ صَحَنْ ضمن الأرشيف البريطاني لمراسلاتهم القنصلية في العراق, والخاصّة بالصابئة خلال فترة الاحتلال العثماني.
فحيث أن الاضطهاد للصابئة كان مُمنهجاً ضدهم من قبل العثمانيين على جميع الأصعدة. فهم كانوا يفسحون المجال للمجرمين وقطاع الطرق بأن يضطهدوا المندائيين فيختطفون النساء المندائيات ويحولوهن بالإكراه عن دينهن, وكانوا لا يلاحقون الجناة الذين يقتلون الصاغة المندائيين ويسرقون أموالهم, وأن تساهلهم مع تلك الجرائم كان بسبب كونهم مُسلمين بينما كانوا يُكفّرون المندائيين. وكذلك كانوا يمنعونهم عن أداء طقوسهم وشعائر دينهم. ولكن هذا التعصّب العثماني الأعمى والظُلم الذين أذاقوه للعراقيين طوال أربعة قرون, كان لا يقل عن الخُبث البريطاني الذي أستغّل تلك الأوضاع ليبرر أحتلاله للشعوب العربيّة بحجة تحريرها. فكانوا يحتاجون للتذرّع بالظلم الذي وقع على الطوائف المسيحيّة لكي يستثيروا القوى السياسيّة الغربيّة التي كانت تتحكّم بها الكنيسية. فقاموا بتسمية المندائيين بأتباع يحيى الصابغ وهي ترجمة ليوحنا المعمدان الاسم المسيحي ليهيا يهانا. وفي نفس الوقت الذي كانوا فيه يحفرون للعثمانيين فخاً. ولكنهم كانوا يتسابقون مع الفرنسيين لتنصير المندائيين عبر محاولاتهم لوضع الصليب بدل الدرابشا المندائي وكذلك أفتتاحهم للمدارس المسيحيّة الموجّهة ضد المندائيين, وأغراء ضِعاف الإيمان منهم بالأموال وبإعطائهم الملاذ الآمن إن هم تحولوا عن دينهم للمسيحيّة. وهذا أنّ وجود الدين المندائي المُرتبط بصورة وثيقة مع ديانات بلاد الرافدين القديمة, كان يُلغي القِدم والتفرّد عن الدين المسيحي الذي احتفظ بالسِمات الشكليّة من التعاليم المندائيّة ولكنه أبتعد جوهريّاً عنها وتم إلحاقه باليهوديّة. وفي نفس الوقت فأن المسيحيّة هي الرابط السياسي للدول الغربيّة, ولهذا فهم لا يقبلون ببقاء أي تهديد فلسفي لها.
مُقتطفات من المراسلات
1 * "وفي تقرير آخر في 28 كانون الأول 1895 كُتب بأن شيخ الصابئة صَحَنْ كان قد أعتُقِل وجُلب من المدينة (القرنة) إلى البصرة.
لقد كُتب بأن الشيخ قد أعتقل للاشتباه بكونه مُشارك في الثورة العربيّة ضد الحُكم العُثماني في المدينة, وأنّ الصابئة قد سُمح لهم بزيارة شيخهم وجلب الطعام له.
وفي ملاحظة, من قبل كاتب غير معروف ضمن التقرير, في المدينة التي هي فوق القرنة على نهر الفرات. أحد الشيوخ العرب من قبيلة بنو أسد وهو حسن الخيون كان قد ثار ضد الحكم التركي في آب 1895. وان المسؤولين العثمانيين يبررون الاعتقال بأن شيخ الصابئة الشيخ صَحَنْ كان هو الذي يورد الذخيرة إلى حسن الخيون ليستعملها في مدافعه. بينما كانت مُعظم القضايا تتعلّق باضطهاد الصابئة من قبل العرب, هذه المرة شيخ الصابئة هو مُتهم بتزويد الأسلحة إلى القبائل العربيّة.

أن التقرير البريطاني بتاريخ 21 كانون الثاني 1896 يُصرّح بأن الشيخ صَحَنْ كان قد نفى التُهم."
2 * "التقرير الذي كُتب عام 1898 بعد سنتين من نهاية القضية, بأنه وخلال محاكمة الشيخ, الصابئة كانوا قد أدعوا بأن المحكمة لم تكن عادلة, وطالبوا القنصلية البريطانية بتمثيلهم في المحكمة المحلية. وكأساس لذلك فقد أظهروا بأنهم بالرغم من كونهم مواطنين عثمانيين فأنهم كانوا قريبين من المسيحية.
لقد كان أفراد المجتمع المندائي يُشددون على براءة الشيخ صحن, والذي كان مُتهماً بتزويد الثوار بالمدافع والقذائف خلال الثورة التي اندلعت في المدينة 1895.
وطالب الصابئة بإنهاء احتجاز الشيخ, ولكن القنصل البريطاني ومُترجم الحاكم العثماني قالوا بأن جريمة الشيخ قد ثُبتت في المحكمة."
ونقرأ من تلك المراسلات بأن قضيّة الشيخ صَحَنْ كان لها طابع سياسي لدى كل من العثمانيين والإنكليز, فحيث قام الحاكم العثماني المُرتشي بجعل الشيخ صَحَنْ وأبنائه ضمن أعداء الدولة العثمانيّة المُباشرين فكال لهم التُهم جزافا. وأستغل الإنكليز هذا الموضوع للترويج داخلياً وخارجياً على أنهم قادمون لتحرير هذه الشعوب, ولكنهم بنفس الوقت كانوا مُشاركين بجريمة القضاء على سلالة الشيخ الذي كان بالضد من سياساتهم التبشيريّة. وكما نقرأ بأنه وبرغم كون جميع السياسيين البريطانيين في العراق كانوا يدِينون الظُلم العثماني ضد الصابئة بقوّة وبصورة علنيّة, ولكن القنصل البريطاني في حالة الشيخ صَحَن فهو كان يُبرر للحاكم العثماني جريمته, بالرغم من انهم يُعلنون برغبتهم بالمساعدة. ولكن أهل بلاد الرافدين الابرياء والصادقين لم يكونوا يعرفون هذا النوع من الكَذب الذي تمارسه السياسة الغربيّة عبر الابتسام للضحيّة وذرف دموع التماسيح عليها, وربما لم يكن لهم خيار بمواجهة الظلم العثماني وحكمه الفاسد سوى تصديقهم.
لقد كانت معظم المراسلات البريطانيّة تُحاول أبراز الظُلم الذي يُكيله الحُكم العثماني الذي يصفونه بالإسلامي وتستّره على المجرمين الذين يظلمون الصابئة لأنهم مسلمون. ولكن في حالة الشيخ صَحَنْ فهو كان بعلاقات متميّزة مع العشائر العربيّة المُسلمة وهذا الموضوع لم يكن يَصُب في صالح أجنداتهم بتصوير قوّة العداء بين المسلمين وغير المسلمين في العراق وباقي الدول التي احتلوها, ولأن جميع الحروب الغربيّة الاستعماريّة عبر التاريخ هي ذات طابع ديني وهي الحروب الصليبيّة المُستمرّة منذ ألفي عام. وكذلك فأن الثورة العربيّة لو كانت قد نجحت وطردت العثمانيين, فلم يكن قد تبقى من سبب للإنكليز لكي يحتلوا العراق, ولهذا فالمُرجّح بأنهم قد عملوا بالضد من تلك الثورات الوطنيّة.
وللتاريخ فنحن لا نعرف إن كان الشيخ صَحَنْ وأبنائه قد ساهموا فعلاً بتزويد الثورة العربيّة ضد العثمانيين بالمدافع والذخيرة, وهو طبعاً شرف كبير لهم إن كانوا قد فعلوا ذلك لتخليص شعبهم من الاستعمار وجرائمه. ولكننا نعرف بأن السلاح والقتل لأي سبب هو مُحرّم في المندائيّة ولم يكن الشيخ صَحَنْ ليساهم بذلك لأنه يعرف التعاليم جيداً, كما وأنه نفى ذلك, وإنما هي تُهمة قاتلة من أعدائه. كما وأنّ الاحتلال العثماني الظالم كان يتعمّد نشر الجهل والتخلف والتشرذم في المجتمع العربي ككل, ولهذا فهم كانوا يحاربون أي مجموعة تعمل بصدق للوحدة الوطنيّة أو لتعليم المُجتمع ونشر قيم الأخوّة والتعايش.
حيث تُروى حادثة من زمنه بأن أحد أصدقائه من شيوخ العشائر المُسلمة قد أخبره بوجود نيّة لأفراد من عشيرة أخرى بأن يأتون في يوم معين لينهبوا أملاك الشيخ صَحَنْ, ولكن الشيخ وبدلاً من أن يستعد لهم مع أهله وأتباعه بالسلاح والكمين فهو كان قد جهّز وليمة كبيرة وجلس ينتظر هؤلاء السُراق الذين دُهشوا عندما وصولوا ووجدوهم منتظرين, فدعاهم للطعام وبعد ذلك أعطاهم من الحلال وأخذ عليهم العهد أن لا ينتهجوا السرقة ولا يكرروها بعد ذلك. وأنّ الذي يفكر بهذا المنطق النابع من كتبنا المندائيّة التي تقدّم السلام والمحبّة على العنف والانتقام, فهو لا يُمكن أن يُدخل نفسه وعشيرته التي تتبعه بحروب وصراعات.
3 *"برقيّة مكتوبة بالعربية مؤرخة بتاريخ 18 كانون الأول 1878 تحتوي على شكوى ضد حاكم البصرة عبد الله باشا, كانت قد أرسلت إلى أسطنبول. البرقية كانت مقدمة من قبل الصابئة الذين يعيشون في الناصرية وأرسلت مع 72 توقيعاً..

المستند في 1 آذار 1879 في البرقية التي أرسلها إلى روبرتسون في البصرة. كتب اللواء نكسون نائب القنصل في البصرة بأن خمسة فتيات من مُجتمع الشيخ في سوق الشيوخ كُن قد أختُطفن رُغماً عنهن. وان على الحاكم العثماني أن يتخذ إجراءات للموضوع.
قال القنصل البريطاني في البصرة روبرتسون في رسالته بأنه كان قد ناقش القضية مع الحاكم التركي في البصرة عبد الله باشا, وسأله كيف سمح بغلق مثل هذه الجريمة الكبيرة بدون تحقيق. ولكنه لم يحصل على جواب مقنع. وأقر روبرتسون بأنه في ضوء هذه الإدارة العثمانية فأن الصابئة ليس لهم أمل بتحقيق العدالة والأفضل أن ينتظروا أدارة جديدة.. وفي نهاية رسالته وصف روبرتسون عبد الله باشا بأنه متعصّب دينيّاً وبأنه شخص ضعيف.
وضمن ادعاء روبرتسون, فأن الحاكم التركي عبد الله باشا هو فاسد ويعتاش على الرشوة وهو مُنحاز."
4 *"في 24 آذار 1891 مُمثل بريطانيا في مومباي كتب رسالة إلى بغداد بأن الالتماس المقدم من قبل بعض الصابئة من مدينة الناصرية بأنهم يريدون أن يكونوا تحت الحماية البريطانية. وأن طلبهم قد تمت دراسته.
وفي رسالة أخرى كتبت إلى صاحبة الجلالة في 18 آذار 1896, وهي تحمل أختام الكثير من الناس. لقد أدعوا بأن الصابئة في العراق وأجزاء من إيران بانهم يواجهون مشاكل جدية وبأن دينهم قد تم إضعافه."
وكما نقرأ فأن الاضطهاد ضد المندائيين كان من جميع الأطراف الخارجيّة, ولم يَرحمهم أحد ولم يحمهم أحد ولكن أشد الظُلم هو الذي أتاهم من خيانة أتباعهم.
لقد كانت العلاقة والمُصاهرة قويّة وحميمة بين عوائل الشيخ بهرام المندوي وعدم أنقطاعها أبداً قبل وبعد تلك الأحداث الأليمة, فقام الشَيخ دَخيل الشيخ عيدانْ بتكريس الشيوخ آدم وعبد أحفاد الشيخ صَحَنْ دينيّاً, وكانوا يقومون بالطقوس سويةً. وكذلك قام الشيخ الجليل بتزوّيج أبنتيه إلى ولدي الشيخ عَبد حفيد الشيخ صَحَنْ, وتوجد عشرات الأدلِّة التي توثّق الزواجات بين أبناء وبنات العم من العائلتين حصراً بسبب نقاء النَسَب الذي هو أساسي بالنسبة للسلك الديني المندائي, وفيما يلي البعض من تلك الأدلة.
* جابر الشيخ صَحَنْ زوجته كرطاسه الشيخ داموك أخت الشيخ عيدان
* الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ زوجته وضحه الشيخ داموك أخت الشيخ عيدان
* الشيخ نادر الشيخ صَحَنْ زوجته فركاسة الشيخ داموك أخت الشيخ عيدان
* مكيّة الشيخ صَحَنْ زوجها الشيخ عيدان الشيخ داموك
* صبريه الشيخ صَحَنْ زوجها الشيخ جوده الشيخ داموك شقيق الشيخ عيدان
* نعمان الشيخ عبد الشيخ جادر زوجته حياة الشيخ دَخيل الشيخ عيدان
* جبار الشيخ عبد الشيخ جادر زوجته وهيبه الشيخ دَخيل الشيخ عيدان
أنّ سلالات الشيوخ المندويّة هُم من أقدم السلالات الناصورائيّة وهُم السُكان الأصليين لمدن الجنوب العراقي التي تقع على نهري دجلة والفُرات, بينما توجد سلالات ناصورائيّة أخرى كانت قد هاجرت من المدن المندائيّة في الأهواز ودزفول وشوشتر خلال القرون القليلة الماضية بعد أن احتلتها إيران. ولهذا فقد كانت الدرجات الدينيّة العليا ورئاسة الصابئة محصورة بهم. وهذا قد أشارت له دراور في كتابها الصابئة المندائيون النُسخة الإنكليزيّة ص١٣٠.
"الطراسة يجب أن تكون باسم ريش امه, وفي هذه الحالة كانت باسم بهرام يهيا وهو من الأجداد القدامى للشيخ رومي نفسه, ولهذا فهو كان يُمثّل أسلافه.

أنّ الريش امه يجب أن يكون من عائلة المندويّة العريقة في السلك الكهنوتي"
The Mandaeans of Iraq and Iraq, E.S. Drower P130
لقد تعَرضَت هذه السُلالة الدينية العريقة إلى مؤامرة كبيرة للقضاء على جميع أفراد السلك الكهنوتي فيها، وذلك بالقضاء على الشيخ عيدانْ وعلى عمّه الشيخ صَحَنْ وأولاده الشيوخ, وكذلك بتخويف مَن تبقى من هذه العوائل بالتصفية وبالتالي هروبهُم إلى الأهواز وسكوت مَن تَبقى مِنهُم, وقد تَمَّ ذلك بترتيب ومُساندة من أعداء الطائفة.
"وأنتُم يامَن اضطُهِدتُم في الدُّنيا وأنتم صامتون. سأُلبِسُكُم نوراً, وأُلبِسُ مُضطَهديكم الخزيَ والهوانَ فأين يذهبون" الكنزا ربا اليمين
لقَد مَرَّ وقت طويل جداً على هذه الجريمة ولكنها رَفَضَتْ أن تَضيعَ معَ الزمن. لأن مَن ظُلِموا بِها غدراً هُم الآنَ عِندَ رَبِهُم خالدوْن، وهُم من رَتَبَ ظهور الوثائق بالوقت المُناسب, ولكنّ مَن ساعدَ في فَتحِها وفَكِ رموزِها هُم الغِربانُ والضِباع الذينَ كانوا يُشهِّرونَ ويَنهَشون بسيرة اللؤلؤ والمَرجان وراء ظهورِنا. فعرفنا لمن تعود تلك الأسماء في البرقيات وكذلك أماكنهم ونفوذهم من خلال القصّة التي ورثها أحد أحفادهم من أهله واستخدمها للتشهير, والتي كانوا قد لفّقوها في ذلك الزمان ليُقنعوا بها المُجتمع المندائي ببراءتهم عن جريمة قتل الشيخ عيدان التي حَصَلت في مزرعتهم, أو أنها كانت الأساس الذي استعملوه ليرشوا الحاكم العثماني لغرض تدمير سلالة الشيوخ التي حَكَمت الطائفة في بلاد الرافدين طوال القرون السابقة ولغاية مُنتصف القرن العشرين. وقد قال أحدهم "بأن الحقيقة قد تختفي فترة ولكنها لن تضيع" وقد صَدَقَ, وعليه نُطالب جميع الجهات التي نَشَرت القصة الباطلة السابقة والخالية من أيّة أدلّة وإثباتات, بأن تنشُر هذه القصة الحقيقية التي ترويها الوثائق والحقائق. لقد طبّل بعض المُلحدين للقصّة الكاذبة التي قالت بأن الشيوخ يقتل احدهم الآخر ولو كان ابن أخيه ونسيبه فيغمزون ويلمزون, وهذا لأنهم يكرهون الدين ويكرهون رجال الدين. فكانوا ينشرونها في مواقعهم مُتذرّعين بنشر التاريخ المندائي. وها نحن قد نشرنا بعضاً منه ولدينا المزيد, لولا حرصنا على أبقاء الرَمق الأخير للطائفة التي تَئن من تسلّط هؤلاء على المندائيّة لمصالحهم الشخصيّة.
"أنَّ مندادهيّي يقول : كلُّ نفسٍ تُسألُ هيَ عن أعمالِها. لاتُشاركُ نفسٌ نَفسا, ولاتَتَحمَّلُ نفسٌ نَفسا" الكنزا ربا اليمين
وهذا بأن الأجيال غير مسؤولة عن أفعال من سبقهُم ونحنُ مُتحابون مع الجميع, ونعمل بمبدأ "عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللهُ مِنْهُ" القرآن الكريم المائدة٩٥ .
عَبد الحَميد الشيخ دَخيل الشيخ عيدانْ الشيخ داموك
سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ

 

منقول من البحوث المندائية التاريخية و مرسل من قبل  الكاتب 

الأحد, 25 كانون1/ديسمبر 2022 03:30

الشيخ صحن والدولة العثمانية

تعتبر قضية الشيخ صحن، وهو رئيس الطائفة المندائية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر ( 1870 – 1893 ) من أكثر القضايا التي شغلت المجتمع المندائي إلى يومنا هذا وذلك لأسباب عديدة منها، الغموض الذي أكتنف الكثير من جوانبها وخصوصا تلك التي تتعلق منها بحادثة القتل للشيخ عيدان، ابن أخ الشيخ صحن والتي أتُهم فيها الشيخ صحن نفسه بأنه هو الذي كان وراءها أو على الأقل المحرض عليها وأيضا الظروف السياسية التي رافقت تلك المسألة وما نجم عنها من تدخل بريطاني في الشؤون الداخلية للدولة العثمانية آنذاك. تميز الشيخ صحن وهو بدرجة ( كنزبرا ) بشخصية قيادية وبمعرفة وإطلاع كبيران، سواء في شؤون دينه أو في الأمور العامة، الاجتماعية منها أو السياسية على حد سواء مما جعل اسمه يكون معروفا جدا على المستوى الشعبي في مدينة سوق الشيوخ في محافظة ذي قار جنوب العراق وكذلك على المستوى الرسمي الحكومي للدولة العثمانية لأكثر من ثلاثة وعشرين سنة كرئيس للمجتمع المندائي في تلك المنطقة. ولكن أهم ما تميز به هو قدرته الكبيرة على إنشاء علاقات مختلفة ومع جميع الأطراف، بما فيها العشائر الإسلامية في المنطقة وأيضا مع جميع الطوائف الدينية المختلفة هناك وكذلك مع بعض الهيئات الدبلوماسية الأجنبية العاملة أو الوافدة إلى العراق(1)أما أهم تلك العلاقـات، فهي تلك التي كانت مع شيخ عشائر بني أس " الشيخ حسن الخيون" الذي ضمن حماية المندائيين الموجودين في أراضيه ومعاقبة أي شخص يحاول المساس أو التعرض لهم. كانت العلاقة مع الشيخ حسن الخيون، علاقة قائمة في الأساس على مدى الفائدة التي تجنيها قبيلة بني أسد من إمكانية ومهارة المندائيين في الأعمال الحرفية التي يبرعون فيها وخصوصا في مجال الحدادة وصناعة القوارب وكذلك في تصنيع المدافع والإطلاقات النارية ومتفجرات صغيرة عرفت باسم قنابل "الدان" وهو الأمر الذي حظي بأهمية كبيرة لدى آل خيون، نظرا للعلاقة السيئة التي تجمعهم بالسلطات العثمانية حينها والتي كانت من نتائجها المباشرة القيام بتمرد كبير ضد العثمانيين وبالتالي حاجتهم المستمرة إلى الذخائر الحربية التي كان الشيخ صحن ومن معه، هم من يتولون تصنيعها وتزويدهم بها(2-3) وبسبب ذلك، حظي الشيخ صحن بمكانة كبيرة لدى آل خيون وبالتالي الحصول على دعمهم ومساندتهم له بشكل كبير جدا مما رسخ مكانته وزعامته في المجتمع المندائي كقائد وزعيم ديني للمندائيين تصعب منافسته بأي شكل كان. هذا الأمر على ما يبدو قد أثار الكثير من الآراء المختلفة داخل المجتمع المندائي ذو الأعداد القليلة والتي عرفت على الدوام بسلميتها وبسياستها الدائمة بعدم التدخل في الصراعات والنزاعات السياسية أو القبلية التي تحدث بين الحين والآخر لذلك كانت الآراء منقسمة بين مؤيد لسياسة الشيخ صحن في تعامله وعلاقته المقربة مع آل خيون وبين معارض لتك السياسة للتخوف من أن تسبب لهم مشاكل كبيرة مع السلطات العثمانية. وربما كان الحسد والغيرة من تلك المكانة المميزة التي حظي بها الشيخ صحن، هما الدافع الذي يكمن خلف تلك المعارضة الشديدة له من قبل بعض المندائيين الذين حاولوا على ما يبدو أن يقوموا بتنحيته عن زعامة الطائفة وذلك من خلال الإتيان برجل دين آخر وإقناعه بالحلول مكانه كرئيس ديني للطائفة المندائية وهذا ما تم بالفعل عندما ذهب البعض من المندائيين إلى الشيخ "عيدان بن الشيخ داموك" وهو ابن أخ الشيخ صحن وزوج ابنته بنفس الوقت لكي يكون هو الزعيم الديني بدلا عنه على الرغم أن الشيخ عيدان كانت درجته الدينية "ترميذا" وبالتالي لا يمكن له إجراء العديد من المراسيم الدينية وأهمها عقد مراسيم الزواج بينما الشيخ صحن كان بمرتبة "كنزبرا" ومؤهلا بالطبع لإداء جميع المراسيم الدينية وبمختلف أنواعها إضافة إلى أنه لم يكن يتمتع بمؤازرة ودعم عشائر بني أسد وحسب إنما أيضا بدعم وموافقة الوالي العثماني في بغداد أيضا الذي أقره رسميا كرئيس للطائفة المندائية وبالتالي امتلاكه لسلطة واسعة بما فيها حل النزاعات التي تنشب بين الحين والآخر. لم يمضي وقت طويل على مجيء واستقرار الشيخ عيدان في سوق الشيوخ حتى تلقى الجميع صدمة كبيرة عندما سمعوا أن الشيخ عيدان وهو الشاب في مقتبل العمر قد قتل رميا بالرصاص في أول أيام عيد"البرونايا". كان الخبر بمثابة الصاعقة على المندائيين الذين توجهت أنظارهم على الفور إلى الشيخ صحن، متهمين إياه بأنه وراء عملية القتل هذه وأن ابنه جابر هو من نفذها خصوصا مع ما عرف عن معارضة الشيخ عيدان ورفضه بدفع جزءا من المال الذي كان يحصل عليه جراء أداءه المراسيم الدينية لأبناء الطائفة، إلى الشيخ صحن إضافة إلى أن الشيخ عيدان (ربما) كما يشير إلى ذلك أحد الباحثين، قد تملكه الحسد من مكانة الشيخ صحن ونفوذه الواسع في المجتمع المندائي والإسلامي على حد سواء، هذا الأمر يمكن أن يكون قد لعب دورا في قبول الشيخ عيدان للمجيء ومنافسة عمه على السيادة وخصوصا أن والده " الشيخ داموك " كان قد لفت انتباه الوالي العثماني في بغداد كمرشح محتمل لرئاسة الطائفة المندائية إلا أن وفاته المفاجئة قد حالت دون ذلك.(4)وفي رواية أخرى حول الحادثة، أن الشيخ حسن الخيون هو الذي أمر بإرسال أحد رجاله لقتل الشيخ عيدان وذلك في مسعى منه لتثبيت وتقوية سلطة حليفه المقرب الشيخ صحن بعد أن وصلت إليه الأخبار بمعارضة الشيخ عيدان دفع المال إلى عمه ومعارضته له على الملأ .(5) عموما، أيا كانت الحقيقة وراء حادثة القتل، فقد انتهت الثورة التي قامت بها عشائر بني أسد بالفشل واجتاحت القوات العثمانية مناطقهم مما نتج عن ذلك هروب الشيخ حسن الخيون وأتباعه إلى الأهوار وكذلك حاول الشيخ صحن الهروب مع أولاده من قبضة السلطات العسكرية إلا أنه فشل في ذلك وتم إلقاء القبض عليه مع إثنين من أولاده، هما شيخ نادر وشيخ جابر أما الاثنان الآخران، شيخ جادر وشيخ ثامر، فقد استطاعا الهروب والاختباء في الأهوار. ألقي الثلاثة في أحد سجون مدينة البصرة بتهمتين اثنتين، الأولى هي المسؤولية المباشرة عن مقتل الشيخ عيدان والثانية هي المشاركة والمساعدة في التمرد والثورة المسلحة ضد الدولة العثمانية وعلى ضوء هذين التهمتين، حكم على الثلاثة بالسجن المؤبد. حاول الشيخ جادر الطلب من البريطانيين في إيران التدخل من أجل إطلاق سراح والده وأخويه من السجن فكان رد نائب القنصل البريطاني في "المحمرة "W McDouall بأنه من الأفضل أن يكتبوا مناشدة إلى جلالة الملكة فكتوريا للتوسط في هذا الموضوع لصالح ذويه، وبالفعل كتب المندائيون رسالتين، الأولى كانت تحمل توقيع الشيخ صحن نفسه والثانية كانت موقعة من قبل العديد من وجهاء وكبار الشخصيات المندائية يطلبون فيها ويناشدون الملكة أن تساعدهم لإطلاق سراح الشيخ صحن وأولاده من السجن. ( نلاحظ هنا أن الوثيقة الثانية والتي حملت تواقيع كبار الشخصيات الدينية والاجتماعية المندائية قد خلت من توقيع "الشيخ سام بن الشيخ شبوط "وهو الأمر الذي كان محيرا للكثيرين وخصوصا مع ما عرف عن الشيخ سام مدى قربه وعلاقته القوية مع الشيخ صحن). لم يمض الكثير من الوقت على السجناء الثلاثة حتى توفي الشيخ جابر وقيل أن سبب وفاته كانت التعذيب الشديد الذي تعرض له داخل السجن أما والده الشيخ صحن فقد فارق الحياة بعد مضي ثلاثة سنوات في السجن، سنة 1896 أو في تأريخ آخر للوفاة أنه كان في عام 1898. أما الشيخ نادر فقد تم إخراجه من السجن بعد أن تم تقديم رشوة كبيرة إلى المسؤولين في السجن وذهب من هناك إلى إيران وبقي فيها لسنوات طويلة.(6)

المصادر والهوامش
(1) ماجد فندي المباركي : المندائيون سر البقاء والحياة منتصرة . ص 238
(2) لا يعرف صحة هذا الأمر ولكن هذا ما أشيع عن الشيخ صحن ومن معه من المندائيين بقيامهم بذلك الأمر
(3) Thabit A.J. Abdullah : The Mandaean Community and Ottoman-British Rivalry (in late 19th-Century Iraq : The Curiouse Case of Shaykh Sahan :P. 413
(4) Thabit A.J. Abdullah : The Mandaean Community and Ottoman-British Rivalry (in late 19th-Century Iraq : The Curiouse Case of Shaykh Sahan :P. 415
(5) Thabit A.J. Abdullah : The Mandaean Community and Ottoman-British Rivalry (in late 19th-Century Iraq : The Curiouse Case of Shaykh Sahan :P. 415
(6) ماجد فندي المباركي : المندائيون سر البقاء والحياة منتصرة . ص 241

الأحد, 06 شباط/فبراير 2022 14:41

لنجد تعبير اخر "للحرب على السرطان

‏Let's Find Another Metaphor for " The War on Cancer"
لنجد تعبير اخر "للحرب على السرطان "

أدناه ترجمة لمقالة نشرتُها قبل 15 عاماً في مجلة : أوقات علم الأورام ‏Oncology Times وقلبي يقول: ما أشبه اليوم بالبارحة
ولهذه المقالة قصة، كان رئيس معهدنا سيذهب الى فلوريدا ليرأس مؤتمرا وطنيا ل" الحرب على السرطان"! التقيته صدفة في الكافيتريا ونحن ننتظر وجبتنا ، قلت له لمَ تشّنون الحرب على السرطان" ؟ قال : " ولم لا ؟" قلت له: "انا عشتُ الحروب واعرف انها موت ودمار والام وأنتم ستجتمعون لهدف نبيل معاكس تماماً للحرب فلم هذا التعبير؟

تفاجأ الرجل وقال" لم اسمع من قبل كلاماً كهذا، سأطرح معاناة شعبك على المؤتمر واقترحُ نبذ تعبير " الحرب "على السرطان
ثم زارني في مكتبي واقترح ان اكتب مقالةً عن الموضوع لينشرها ففعلت ُ ونشرها في الدورية التي يرأس تحريرها في آذار ٢٠٧

قُلتُ في مقالتي

ولدتُ وترعرعتُ في بلدة جنوب العراق على ضفاف دجله من عائلة صابئيه مندائيه. كنتُ محميا بحلقة من أهلي وأصدقائي المقربين ، فنشأتُ طموحا ، مثالياً وساذجاً إلى حد ما عندما انهيت تدريبي وزمالتي في فيلادلفيا ، سارعت بالرجوع الى الوطن وعينت في كلية الطب جامعة بغداد.
هناك ، أنشأت مختبراً لعلم الأمراض النسيجي ( الهستوپاثولوجي ) وسجلا للأورام وبرنامج متقدماً لتدريب الأطباء في علم الأمراض
توسع سجل السرطان ليشمل القطر كله ، وعملتُ سكرتيرا لجمعية السرطان العراقية كما ساهمتُ بصوره فاعله في برامج التثقيف والوقاية من السرطان. في نهاية السبعينات بدأت الأمور بالتدهور السريع وفُككت المؤسسات الطبية والتعليمية بصوره منظمه . ثم اندلعت حروب داخلية ومع الجيران خلفت مشاهد مرعبة من الألم والمعاناة والموت والدمار.
وبعد حرب الخليج الاولى عدتُ مع زوجتي واولادي الى الولايات المتحدة تاركين وراءنا ممتلكاتنا ، سياراتنا وحتى مختبري الخاص
عملت بجهد كبير مع عائلتي وأولادي، وبدعم من كثيرين من الطيبين التقيناهم هنا، لنشّيد مثلا لامعاً لما يدعى "الحلم الأمريكي "
لكن ، وبرغم كل هذه النجاحات ما زال قلبي يغوص إذا سمعت كلمة " الحرب" في أي مقام قيلت . أظن أني أعاني مما يدعى طبياً
اضطراب ما بعد الصدمة ‏" post traumatic stress disorder" لذا يعتريني شعور مختلط إذ أسمع في نشرات الأخبار أو أقرأ في الصحف عن النجاحات في "الحرب "على السرطان وهي حقا نجاحات مهمة .لقد انخفض عدد الوفيات من السرطان لسنتين متعاقبتين هما ٢٠٠٥ و٦..٢ بالرغم ان السكان بدأوا يُسنّون ، كان هناك هبوط نسبي في معدل الوفيات من السرطان خلال السنوات الثمانية الأخيرة وبالتعاقب.( ملاحظة: نشرت هذه المقالة سنة ٢٠٠٧) .لقد حدث تقدم ملحوظ في السيطرة على السرطانات السائدة مثل الرئة ( عند الذكور) والثدي والقولون والبروستات.
من جهة أخرى ، هناك اخبار الحرب في العراق. أخبار مؤلمه جدا وصادمة لي شخصياً. ارى سيارات مفخخة تنفجر ، بيوتاً تحترق ورجالاً ونساء واطفالاً قتلى وجرحى في الشوارع ينقلهم كل من يستطيع وما يستطيع لأقرب مستشفى. ولا أتمالك نفسي إلا أن أفكر بقلق: إذا كانت الحرب تعني الموت والخراب فلم إذاً نشن "حرباً" على السرطان لتنقذ الأرواح؟
معظم السرطانات تنتج عن عوامل بيئية وممارسات شخصية. فأورام الفم و البلعوم والمريء والحنجرة والرئة في العراق مثلاً تنتج من التدخين وضعف العناية بصحة الفم والأسنان. أما سرطان المثانة فيتسبب من التدخين والبلهارسيا .سرطان "كابوسي" المنتشر في أفريقيا وسرطان الكبد في الشرق الأقصى وكذلك سرطان عنق الرحم تسببها فايروسات . اما فايروس EBV فيسبب أوراماً لمفاوية من نوع (بركت) في العراق والعالم الثالث كما يسبب أورام البلعوم الأنفي في الشرق الأقصى وكذلك يسبب لمفوما هودجكن. هذه الفيروسات تنتشر وتسبب السرطانات في هذه البلدان حيث الالتهابات المزمنة وسوء التغذية لكن كذلك عند المصابين بمرض نقص المناعة المكتسب (الايدز). من حسن الحظ تم تطوير لقاحات لفايروسات التهاب الكبد وعنق الرحم لكن مع الأسف لا توجد لقاحات للإيدز او ال EBV
لحد الان .
ملاحظة : منذ ذلك الحين تم تطوير عقاقير ناجحة للسيطرة على مرض الايدز لكنه ما زال مستشرياً في البلدان الفقيرة

البكتيريا "الغازية " ايضاً تسبب السرطان حول العالم وجرثومة مثل H.Pylori . ذات علاقه وثيقه بسرطان المعدة واللمفوما . ومع الأسف تزايد سرطان القولون في الكثير من بلدان العالم الثالث التي بدأت تقتفي النظام الغذائي الغربي المرتبط بهذا السرطان. فإذا سيطرنا على الفيروسات والبكتريا والطفيليات المسببة للسرطان وإذا ثقفنا الناس للتخلي عن الممارسات الضارة بالصحة ، فهل سنحتاج ل" حرب ضد السرطان" ؟

خلايا السرطان ليست " غزاة أجانب " إنما هي من خلايانا وتملك نفس جيناتنا ولكنها تستعملها بصورة أذكى نوعاً ما . لقد تَعـلمت خلايا السرطان كيف تعيش في بيئة صعبة و معادية لها كما يبدو أنها اكتشفت سر الخلود أيضاً . لكن...
ألم يبحث الإنسان عن سرّ الخلود منذ عهد گلگامش؟
وعندما ينجح السرطان في غزو الأنسجة المجاورة وينتشر بعيدا، فالشفاء يصبح صعب المنال. عندها نحتاج ان "نشنَّ حربا" لا هوادة فيها وبالحرف الواحد فلكي تتخلص من خلايا السرطان قد نضطر أن نلجأ لكل الأسلحة المتوفرة؛ كيميائية ، نووية وحتى بيولوجية

ملاحظة : كتبت المقالة قبل تطور العلاج المناعي خلال العقد الأخير

وتبقى ماهية الخلايا الجذعية ( الخلايا الأم للسرطان) تبقى غير معروفة ولا نعلم أين تتواجد .وحتى تكشف البحوث أسرار الخلايا الجذعية، يبقى التشخيص المبكر مهمٌ جداً . وأحسن سلاح بعد تشخيص السرطان المبكر هو السلاح السحيق في القدم الا وهو ( السيف) أي قطع النسيج السرطاني تماما وما حوله من أنسجة غير سرطانية . وفِي هذه " الحرب" ضد السرطان يحدث الكثير من الضرر " الجانبي" . عدا عن المضاعفات المباشرة والمتأخرة ، في الحقيقة ، لا توجد دراسات عن نوعية حياة المرضى الذين يعيشون بعد العلاج ومعاناتهم. معظم الدراسات حتى الآن تتحدث عن المضاعفات ولا تتحدث عن نوعية الحياة بعد العلاج . قد لا يكون نمو السرطان وانتشاره معتمداً على خلايا السرطان وحدها بل يبدو أن هناك الكثير من "المتواطئين " الذين " تجندهم " من الخلايا الغير سرطانية مثل السدى Stroma , الأوعية الدموية الجديدة و الخلايا اللمفاوية المُنَظّمة Regulatory T cells .تقوم الخلايا التائية المنظمة بمنع الخلايا اللمفاوية التائية السامة والخلايا القاتلة الطبيعية Cytotoxic CD8 T lymphocytes and Natural Killer NK cells من الوصول للسرطان وتدميره .

أثمر التعاون بين المؤسسات العلمية والشركات الدوائية نجاحاتٍ متميز بتطوير و إنتاج عقاقير لتحوير الخلايا المحيطة بالسرطان لغرض السيطرة عليه . وجد العلماء أن خلايا السرطان تفتح جينات النمو وتغلق جينات وقف الانقسام والموت الخلوي المنظم
Apoptosis عملية الغلق والفتح هذه تتم في الأغلب بإضافة جذر المثيل في العادة ونعلم الآن أن هذه التغيرات
الجنب جينية Epigenetic قد تمثل بداية السرطنة . تم تطوير وإنتاج عقاقير مزيل لجذر المثيل HypoMethylating Agents نجحت في مداواة سرطانات مختلفة و"ترويض" خلايا السرطان حتى لا تستمر بالانقسام والنمو، بدلاً من قتلها

أعتقد أن خلايا السرطان خطيرة لأننا لا نفهمها . الدراسة المتعمقة لهذه الخلايا قد تكشف اسراراً عجيبة عن الماكينة البيولوجية التي تحرك حتى خلايانا الطبيعية

نشرت في وجهة نظر
الأحد, 06 كانون1/ديسمبر 2020 15:24

الأخوات السبع


بداية القرن العشرين، التقى ثلاثة رجال في (إسكتلندا) برحلة صيد، ما كانت غايتهم الظفر بطيرٍ هائم في السماء ولا أرنب ضال بين الجحور، تخَطـّوا بتصويبهم الجزر البريطانية، ترنو عيونهم الزرق إلى سائل لزج أسود، لا تُطاق رائحته ولا ملمسه، كلّ ما يميزهُ انه قابل للاشتعال.
تعوّد العراقيون خلال أشهر الصيف المنام على السطح، لأنهم يعيشون في منازل ذات سطوح مستوية، وقيظهم شديد يدعو لتجنبه. كانت تلك (النومة) تعني لنا متعة ما بعدها، نفترش السرير في العصرية ونرش الأرض، كي ننجح (بمكافحة) الحر والأستمتاع ببرودة (المخدة) وعذوبة النسيم. كنا حين نستلقي على ظهورنا، نتأمل السماء ونغوص بأعماقها، نتابع حركة نجومها المتلألئة، فكان يُلفت نظرنا سبع نجمات على شكل رقم 6، نسميها (الأخوات السبع). ومع انها نجوم جبارة بالسماء، لكن ثمة أخوات سبع على الأرض، أصلب منها وأدهى، سنسمح لأنفسنا أن نكون بضيافتهن، بضيافة شركات النفط العملاقة المُسماة (الأخوات السبع). رجل هولندي وآخر بريطاني وثالث فرنسي، خططوا لتأسيس ما يستحوذ على ربع تجارة البترول بالعالم... (شِل الهولندية وبريتش بتروليوم البريطانية وتوتال الفرنسية).
توزيع النفط جغرافياً على خارطة العالم معروف، إلا أن الأهم من ذلك بالنسبة للغرب كيفية توزيعه سياسياً، وهو على النحو التالي، الأول بأيادي العالم المتقدم، روسيا في سيبيريا، الولايات المتحدة في خليج المكسيك وولايتي تكساس وألاسكا، إنكلترا والنرويج في بحر الشمال*، جزؤه الثاني يسمى النفط البارد، لدى أنظمة مستقرة مدعومة من الغرب، دول الخليج العربي العربية والمكسيك وكازاخستان على بحر قزوين، وثالث يدعى النفط الساخن، لأنه يقع في بلدان إما ثورية كإيران وفنزويلا، أو غير مستقرة كالعراق وليبيا وجنوب السودان واليمن، أو بلدان أنظمتها متأرجحة مثل الجزائر ونيجيريا.
بإمكان (الأخوات السبع) أن تُسخن بلداناً بنيران نفوطها أو تبردها كيفما ومتما تشاء، فلو رضخت لها، كان نفطها برداً وسلاماً، وإن شقّت يد الطاعة وعصت أو تمرّدت، أوقدته سعيراً تحت أقدام شعبها، خير مثال، أسقاط حكومة الدكتور مصدق في إيران بداية الخمسينيات. بهذا الإسلوب الشديد، هيمنت (الأخوات) على إنتاج وتسويق الذهب الأسود في العالم والتحكم باسعاره.
لما قام العراق بطرد ثلاث من الأخوات في قرار التأميم عام 1972، اقتصرت حساباته في الاعتماد بالإنتاج على البنى التحتية والتسويق بقدراته الذاتية، وقد نجح الكادر العراقي، ساعده تنامي الطلب على النفط عالمياً وعلاقته بالاتحاد السوفيتي عدو الغرب، فكسر الحصار الذي فرضته الشركات في وقته، لكن ما غفل عنه، ظنه أن (كارتل) الشركات قد استسلم ونسي الإهانة، وهذا لم يحصل، فبرغم أن فائض واردات العراق أواسط السبعينيات جعله خامس أغنى بلد في العالم، اختلقت له مشاكل اضطرته لأن يوظـّـفها لشراء أسلحة، إما لاستعراض قواه أمام إسرائيل أو لردع الأكراد، ثم أدى تكدّسها لتحدي إيران، الأكبر منه بأربعة أضعاف حجماً وسكاناً، فتجرأ لمحاربتها، لتعود أثمان النفط بطريق آخر لجيوب الغرب. لو أن الأخوات كانت في العراق وفي إيران لدى قيام الحرب بينهما، وكان لهن استثمارات ومصالح، لدفعت بلدانها لإخماد الحرب ووأد نيرانها منذ أيامها الأولى.
ولكيلا نخوض في مآسي العراق وشؤم نفطه عليه، لنذهب بعيداً إلى أفريقيا، ولنا فيها أمثلة مأساوية، لنأخذ (نايجيريا) مثالاً يوضح بشاعة سلوك (الأخوات) هناك ويدين أعمالها.
التاريخ يذكر لنا أن الفرنسيين هم أول من تيقـّـن من وجود النفط في شمال أفريقيا، في ليبيا، فساندوا حليفهم نظام (السنوسي) الملكي، لكنهم لم يجدوا في الجزائر من بُـدّ سوى استعمارها مباشرةً، وقد باركت الدول الأوروبية ذلك من أجل ضمان تدفق النفط لأسواقها، ولكي نتيقن من غاية المستعمر، عندما منحت فرنسا الاستقلال بعد أن قدّم الجزائريون مليون شهيد، كان شرطها الوحيد أن تبقى آبار النفط الممتدة على الحدود الشرقية المتاخمة لليبيا وأنابيب نقلها وميناء تصديرها على المتوسط، بإدارة وحماية فرنسية.
لو اتجهنا جنوباً عبر الصحراء الأفريقية الكبرى، لوصلنا بلدا لا يهدد بموقعه أوروبا، ولا نظامه ثوري، أو له علاقة له بصراع العرب مع إسرائيل، أسباب يمكن أن تبرر العداء له. (نيجيريا)، بلد غرب أفريقي، أكبر بلدان القارة من حيث السكان (130 مليون نسمة)، تحدّه الصحراء من الشمال وخليج غانا من الجنوب ودول فقيرة من شرقه وغربه، يجري في أراضيه أحد أعظم أنهار أفريقيا، النيجر، مشكلاً عند مصبه دلتا غنية بالأراضي الزراعية، يسكن البلد خليط من المسلمين والمسيحيين، يُعتبر، وهذا ما يهم مقالنا، أكبر منتج للنفط في أفريقيا.
أكتُشف النفط في نيجيريا في وقت متأخر نسبياً، في الخمسينيات، في وقت أعطى نفط الأميركان مؤشرات بإمكانية نضوبه، وصار عليهم إما شفطه أو ضخ مياه البحر تحته، وهي عملية مكلفة، في وقت جعلتهم أزمة الصواريخ بداية الستينيات مع كوبا، التي تقع على طريق إمدادات النفط الفنزويلي؛ يبحثون عن مصدر بعيد وأمين، فكان هذا البلد الأسمر الفقير. جاء دور (الأخوات السبع) بالتلاعب بمصيره، غذّت انقسامات عرقية وطائفية، موّلت حربا أهلية بين الشمال والجنوب، بين كنائس ومساجد، اغتصاب واختطاف و(بلطجة)، تنفذها أطراف تتسلح بمعدات اشترتها ووزعتها (الأخوات) لهم بأموال نفوطهم، تلويث وتَدمير دلتا النهر الجميل في سبيل خفض كلف الإنتاج.
باع هذا البلد من نفطه على مدى خمسين عاماً، ما قيمته 350 مليار دولار، تعادل اليوم أضعاف هذا المبلغ، ذهب نصفها صافيا لحساب الأخوات، والنصف الآخر، يذهب ثلثه الأول كـُلف إنشاء بنى إنتاج تحتية للنفط، بينما تشتري هذه الشركات بثلثه الثاني أسلحة ومعدات تقوم بتوزيعها على الأطراف المتناحرة (بالتساوي)، الثلث الأخير أي 15% فقط من العائدات يُسلـّم بيد طغمة حاكمة فاسدة لا تخجل من القول... (نيجيريا عبارة عن مركبة تسير بوقود نيجيري وقيادة أوروبية).
قامت (الأخوات) بمد طرق وجسور لخدمة عمليات إنتاجها، يُحرم على المواطن العادي استخدامها، خربت من أجلها الطبيعة، جُرفت الغابات، لوِّثت الأنهار، أضرّت بشكل ملحوظ تحت تعتيم شديد، بالثروة الحيوانية والسمكية والتوازن البيئي، آخرها انفجار انبوب نفط ناقل، قتل 15 شخص ودمر 50 بيت وشرد أهلها.
هذا مثال لما تقوم به سياسة (الأخوات السبع) المدعومة من الغرب، التي جعلتها سنوياً تتحرك برأس مال يبلغ 1500 مليار دولار، ضعف مجموع تجارة (الأوبك).
هذا (الكارتل) الرهيب، لا يتردد بقلب كرسي حاكم وإخلائه وإشغاله بشخص آخر (مفصّل) على القياس، وهو وجه للسياسة الرأسمالية ومثال للإتجار بمصائر الدول والشعوب الضعيفة المغلوب على أمرها، الأمر الذي يتكرر حدوثه اليوم في فنزويلا والعراق وليبيا واليمن وسوريا، مثلما تتحكم الولايات المتحدة بمصير بلدين بأمريكا اللاتينية، نيكاراغوا وهندوراس، المسماة مزرعة الموز الأمريكية، حيث اقتصادهما يقوم فقط على ما يُصدراه من الموز لأمريكا.
وبينما يظهر اليوم للأخوات ظل، سوف يحتدم صراع وتنافس سرّي لسحق من يقترب من نفوطها، فهل يا ترى تستطيع الأخوات احتواء الوصيفات وهنّ يزاحمن الحصص في الكعكة البترولية (اللذيذة)؟ هل يمكن اغتيال التنين الصيني الشره القادم بسياسات إغراء، منح القروض والاستثمارات لمشاريع بالدول النفطية، فالصين تستعمر الدول اليوم اقتصادياً، وتدخل بذكاء لأروقة (أوبك) في (فينا)، ولها آذان بكل وزارة بترول وعين فوق كل حقل عملاق يَنتج نفطا، ولديها الاستعداد في الذهاب حيث يتواجد آخر برميل نفط في العالم.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشرت في وجهة نظر
الأحد, 06 كانون1/ديسمبر 2020 15:24

الأخوات السبع


بداية القرن العشرين، التقى ثلاثة رجال في (إسكتلندا) برحلة صيد، ما كانت غايتهم الظفر بطيرٍ هائم في السماء ولا أرنب ضال بين الجحور، تخَطـّوا بتصويبهم الجزر البريطانية، ترنو عيونهم الزرق إلى سائل لزج أسود، لا تُطاق رائحته ولا ملمسه، كلّ ما يميزهُ انه قابل للاشتعال.
تعوّد العراقيون خلال أشهر الصيف المنام على السطح، لأنهم يعيشون في منازل ذات سطوح مستوية، وقيظهم شديد يدعو لتجنبه. كانت تلك (النومة) تعني لنا متعة ما بعدها، نفترش السرير في العصرية ونرش الأرض، كي ننجح (بمكافحة) الحر والأستمتاع ببرودة (المخدة) وعذوبة النسيم. كنا حين نستلقي على ظهورنا، نتأمل السماء ونغوص بأعماقها، نتابع حركة نجومها المتلألئة، فكان يُلفت نظرنا سبع نجمات على شكل رقم 6، نسميها (الأخوات السبع). ومع انها نجوم جبارة بالسماء، لكن ثمة أخوات سبع على الأرض، أصلب منها وأدهى، سنسمح لأنفسنا أن نكون بضيافتهن، بضيافة شركات النفط العملاقة المُسماة (الأخوات السبع). رجل هولندي وآخر بريطاني وثالث فرنسي، خططوا لتأسيس ما يستحوذ على ربع تجارة البترول بالعالم... (شِل الهولندية وبريتش بتروليوم البريطانية وتوتال الفرنسية).
توزيع النفط جغرافياً على خارطة العالم معروف، إلا أن الأهم من ذلك بالنسبة للغرب كيفية توزيعه سياسياً، وهو على النحو التالي، الأول بأيادي العالم المتقدم، روسيا في سيبيريا، الولايات المتحدة في خليج المكسيك وولايتي تكساس وألاسكا، إنكلترا والنرويج في بحر الشمال*، جزؤه الثاني يسمى النفط البارد، لدى أنظمة مستقرة مدعومة من الغرب، دول الخليج العربي العربية والمكسيك وكازاخستان على بحر قزوين، وثالث يدعى النفط الساخن، لأنه يقع في بلدان إما ثورية كإيران وفنزويلا، أو غير مستقرة كالعراق وليبيا وجنوب السودان واليمن، أو بلدان أنظمتها متأرجحة مثل الجزائر ونيجيريا.
بإمكان (الأخوات السبع) أن تُسخن بلداناً بنيران نفوطها أو تبردها كيفما ومتما تشاء، فلو رضخت لها، كان نفطها برداً وسلاماً، وإن شقّت يد الطاعة وعصت أو تمرّدت، أوقدته سعيراً تحت أقدام شعبها، خير مثال، أسقاط حكومة الدكتور مصدق في إيران بداية الخمسينيات. بهذا الإسلوب الشديد، هيمنت (الأخوات) على إنتاج وتسويق الذهب الأسود في العالم والتحكم باسعاره.
لما قام العراق بطرد ثلاث من الأخوات في قرار التأميم عام 1972، اقتصرت حساباته في الاعتماد بالإنتاج على البنى التحتية والتسويق بقدراته الذاتية، وقد نجح الكادر العراقي، ساعده تنامي الطلب على النفط عالمياً وعلاقته بالاتحاد السوفيتي عدو الغرب، فكسر الحصار الذي فرضته الشركات في وقته، لكن ما غفل عنه، ظنه أن (كارتل) الشركات قد استسلم ونسي الإهانة، وهذا لم يحصل، فبرغم أن فائض واردات العراق أواسط السبعينيات جعله خامس أغنى بلد في العالم، اختلقت له مشاكل اضطرته لأن يوظـّـفها لشراء أسلحة، إما لاستعراض قواه أمام إسرائيل أو لردع الأكراد، ثم أدى تكدّسها لتحدي إيران، الأكبر منه بأربعة أضعاف حجماً وسكاناً، فتجرأ لمحاربتها، لتعود أثمان النفط بطريق آخر لجيوب الغرب. لو أن الأخوات كانت في العراق وفي إيران لدى قيام الحرب بينهما، وكان لهن استثمارات ومصالح، لدفعت بلدانها لإخماد الحرب ووأد نيرانها منذ أيامها الأولى.
ولكيلا نخوض في مآسي العراق وشؤم نفطه عليه، لنذهب بعيداً إلى أفريقيا، ولنا فيها أمثلة مأساوية، لنأخذ (نايجيريا) مثالاً يوضح بشاعة سلوك (الأخوات) هناك ويدين أعمالها.
التاريخ يذكر لنا أن الفرنسيين هم أول من تيقـّـن من وجود النفط في شمال أفريقيا، في ليبيا، فساندوا حليفهم نظام (السنوسي) الملكي، لكنهم لم يجدوا في الجزائر من بُـدّ سوى استعمارها مباشرةً، وقد باركت الدول الأوروبية ذلك من أجل ضمان تدفق النفط لأسواقها، ولكي نتيقن من غاية المستعمر، عندما منحت فرنسا الاستقلال بعد أن قدّم الجزائريون مليون شهيد، كان شرطها الوحيد أن تبقى آبار النفط الممتدة على الحدود الشرقية المتاخمة لليبيا وأنابيب نقلها وميناء تصديرها على المتوسط، بإدارة وحماية فرنسية.
لو اتجهنا جنوباً عبر الصحراء الأفريقية الكبرى، لوصلنا بلدا لا يهدد بموقعه أوروبا، ولا نظامه ثوري، أو له علاقة له بصراع العرب مع إسرائيل، أسباب يمكن أن تبرر العداء له. (نيجيريا)، بلد غرب أفريقي، أكبر بلدان القارة من حيث السكان (130 مليون نسمة)، تحدّه الصحراء من الشمال وخليج غانا من الجنوب ودول فقيرة من شرقه وغربه، يجري في أراضيه أحد أعظم أنهار أفريقيا، النيجر، مشكلاً عند مصبه دلتا غنية بالأراضي الزراعية، يسكن البلد خليط من المسلمين والمسيحيين، يُعتبر، وهذا ما يهم مقالنا، أكبر منتج للنفط في أفريقيا.
أكتُشف النفط في نيجيريا في وقت متأخر نسبياً، في الخمسينيات، في وقت أعطى نفط الأميركان مؤشرات بإمكانية نضوبه، وصار عليهم إما شفطه أو ضخ مياه البحر تحته، وهي عملية مكلفة، في وقت جعلتهم أزمة الصواريخ بداية الستينيات مع كوبا، التي تقع على طريق إمدادات النفط الفنزويلي؛ يبحثون عن مصدر بعيد وأمين، فكان هذا البلد الأسمر الفقير. جاء دور (الأخوات السبع) بالتلاعب بمصيره، غذّت انقسامات عرقية وطائفية، موّلت حربا أهلية بين الشمال والجنوب، بين كنائس ومساجد، اغتصاب واختطاف و(بلطجة)، تنفذها أطراف تتسلح بمعدات اشترتها ووزعتها (الأخوات) لهم بأموال نفوطهم، تلويث وتَدمير دلتا النهر الجميل في سبيل خفض كلف الإنتاج.
باع هذا البلد من نفطه على مدى خمسين عاماً، ما قيمته 350 مليار دولار، تعادل اليوم أضعاف هذا المبلغ، ذهب نصفها صافيا لحساب الأخوات، والنصف الآخر، يذهب ثلثه الأول كـُلف إنشاء بنى إنتاج تحتية للنفط، بينما تشتري هذه الشركات بثلثه الثاني أسلحة ومعدات تقوم بتوزيعها على الأطراف المتناحرة (بالتساوي)، الثلث الأخير أي 15% فقط من العائدات يُسلـّم بيد طغمة حاكمة فاسدة لا تخجل من القول... (نيجيريا عبارة عن مركبة تسير بوقود نيجيري وقيادة أوروبية).
قامت (الأخوات) بمد طرق وجسور لخدمة عمليات إنتاجها، يُحرم على المواطن العادي استخدامها، خربت من أجلها الطبيعة، جُرفت الغابات، لوِّثت الأنهار، أضرّت بشكل ملحوظ تحت تعتيم شديد، بالثروة الحيوانية والسمكية والتوازن البيئي، آخرها انفجار انبوب نفط ناقل، قتل 15 شخص ودمر 50 بيت وشرد أهلها.
هذا مثال لما تقوم به سياسة (الأخوات السبع) المدعومة من الغرب، التي جعلتها سنوياً تتحرك برأس مال يبلغ 1500 مليار دولار، ضعف مجموع تجارة (الأوبك).
هذا (الكارتل) الرهيب، لا يتردد بقلب كرسي حاكم وإخلائه وإشغاله بشخص آخر (مفصّل) على القياس، وهو وجه للسياسة الرأسمالية ومثال للإتجار بمصائر الدول والشعوب الضعيفة المغلوب على أمرها، الأمر الذي يتكرر حدوثه اليوم في فنزويلا والعراق وليبيا واليمن وسوريا، مثلما تتحكم الولايات المتحدة بمصير بلدين بأمريكا اللاتينية، نيكاراغوا وهندوراس، المسماة مزرعة الموز الأمريكية، حيث اقتصادهما يقوم فقط على ما يُصدراه من الموز لأمريكا.
وبينما يظهر اليوم للأخوات ظل، سوف يحتدم صراع وتنافس سرّي لسحق من يقترب من نفوطها، فهل يا ترى تستطيع الأخوات احتواء الوصيفات وهنّ يزاحمن الحصص في الكعكة البترولية (اللذيذة)؟ هل يمكن اغتيال التنين الصيني الشره القادم بسياسات إغراء، منح القروض والاستثمارات لمشاريع بالدول النفطية، فالصين تستعمر الدول اليوم اقتصادياً، وتدخل بذكاء لأروقة (أوبك) في (فينا)، ولها آذان بكل وزارة بترول وعين فوق كل حقل عملاق يَنتج نفطا، ولديها الاستعداد في الذهاب حيث يتواجد آخر برميل نفط في العالم.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشرت في وجهة نظر

 منذ اِجراء اول تجربة نووية عام 1945 حتى العام 2017 بلغ عدد التجارب والتفجيرات النووية حول العالم حوالي (2057) تجربة، وهو عدد كبير جدا قياسا لخطورة المواد المستخدمة وآثارها المدمرة. تلك التجارب تم اجراؤها في باطن الأرض وفي البحار وفي الهواء، كان منها 1000 تجربة باطن الأرض خلال عقدي السبعينات والثمانينات فقط، وفي جميع الأحوال واينما يكون مكان التفجير فانه يترك عواقب كارثية كبيرة على البيئة والأنسان على حد سواء. ويقينا ان العالم لم ولن يحصد من وجود السلاح النووي او المفاعلات النووية سوى الكوارث المفجعة، من تخريب الطبيعة الى موت وتشويه الأنسان والكائنات الأخرى، وماحصل لمدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين، او مانتج عن حادثتي تشيرنوبل وفوكوشيما، خير مثال على ذلك.

ومعلوم ان لكل تفجير نووي آثار مروعة طويلة المدى على المياه والهواء والتربة وعلى جميع الكائنات القريبة من مواقع التفجيرات. سوى وان الإنبعاثات الذرية الناتجة عن التفجيرات تنتشر على مساحات شاسعة وتكون محملة بالعناصر المشعة التالية، سيزيوم (Cesium)، سترونشيوم (Strontium)، كريبتون (Krypton)، يود (Iodine). ويعتبر عنصرا السيزيوم واليود الأخطر بين هذه المواد. المقلق في الأمر ان تأثير وفاعلية بعض هذه العناصر المشعة يستمر لعقود طويلة يكون خلالها الخطر قائما ومهددا لحياة الأنسان.

يكلف انشاء المفاعلات وتصنيع السلاح النووي (اضافة لخطورته) مبالغا طائلة يمكن توجيهها (الأموال) لأهداف إنسانية بدل هدرها على اسلحة تقضي على الحياة والطبيعة. وبحسب وكالة الطاقة الذرية يوجد في العالم حتى عام 2019 حوالي 417 مفاعلا نوويا (بعضها سلمي)، وهذا العدد الكبير من المفاعلات يوضح خطورة ماقد يتعرض له العالم من كوارث. اما المفاعلات النووية قيد الأنشاء حتى عام 2019 فتبلغ 46 مفاعلا على مستوى العالم. وتذكر التقارير ان الطاقة النووية المصنعة في العالم نمت بنسبة 2.4% في عام 2018 .

والى جانب الآثار الكارثية الناتجة عن التجارب والتفجيرات النووية، فان خطورة وجود وعمل المفاعلات النووية ذاتها يتمثل في اكثر من اتجاه:

أولا. مخاطر النفايات النووية، تقوم المفاعلات (عادة تبنى قرب الأنهار او البحار) بتبديل المياه المبردة لها بشكل مستمر، المؤسف ان المياه المستخدمة الملوثة بالمواد المشعة يتم تصريفها الى البحار مباشرة، الأمر الذي يؤدي لتلويثها وتهديد الكائنات البحرية. كما تقوم بعض البلدان بطرح نفاياتها النووية وليس مياه التبريد فقط، في مياه البحار ايضا للتخلص منها بدل طمرها باطن الأرض (وهو الأمر المتعارف عليه). وبحسب ماجاء في تقارير لمؤسسة (Bellona) النرويجية والوكالة الدولية للطاقة الذرية، حولت روسيا بحر كارا (Kara Sea) شمال سيبريا الى مستودع لنفاياتها النووية، فقاع ذلك البحر يضم اليوم عددا كبيرا من حاويات النفايات المشعة إضافة الى مجموعة من المفاعلات والغواصات النووية الميتة. اما في الولايات المتحدة فتستخدم البحرية الأمريكية موقع المختبر الوطني في ولاية ايداهو مدفنا لوقودها النووي المستهلك وذلك منذ عام 1953 ، حيث تُدفن النفايات النووية تحت منبع نهر سنيك (Snake River) الأمر الذي يشكل آثارا سيئة ومخاطرا كبيرة على المياه والأراضي الزراعية هناك.

واضافة الى المفاعلات النووية، يوجد اليوم لدى الدول الكبرى عشرات الغواصات النووية العاملة في الخدمة (الغواصات النووية تعمل او تستمد طاقتها من مفاعل نووي صغير موجود داخلها) وهذا يعني ان مقابر الغواصات النووية ومدافن وقودها المستهلك ستبقى منتشرة على الدوام في مياه البحار او تحت التربة، وفي كلتا الحالتين ينتج عنها تأثير سلبي كبير على البيئة. وعادة تدفن النفايات النووية بعد تبريدها على أعماق كبيرة باطن الأرض وتُغطى بالصخور والإسمنت منعا لتسرب الأشعاع منها، ورغم ذلك تبقى خطورتها قائمة في محيط منطقة الدفن لفترات زمنية طويلة. اما التجارب النووية التي تجرى تحت سطح البحر فتسبب بطبيعة الحال تلوث المياه تلويثا صارخا وتقضي على عدد هائل من الكائنات البحرية وتصيب بالأشعاعات مايتبقى من تلك الكائنات على قيد الحياة فتكون مصدر خطر على الأنسان في حال اصطيادها وتناولها كغذاء.

ثانيـا . الحوادث العرضية التي تتعرض لها المفاعلات، مثل هذه الحوادث تؤدي في حال وقوعها الى تأثيرات بايولوجية هائلة تصل حد الكوارث الطبيعية، اذ ينتج عنها انتشار الأشعاعات القاتلة والغبار الذري على رقعة جغرافية كبيرة، وتكون تلك الأشعاعات على هيئة سحب محلقة في الهواء واخرى مترسبة على الأرض مُسببة تلوث خطير للمنطقة المحيطة بالمفاعلات المنكوبة. وتعتبر الجسيمات (الذرات) المشعة الناتجة عن تلك الحوادث، مصدر خطر كبير يهدد صحة الأنسان وحياته في حال ترسبها على الملابس او الجلد او الطعام او الأدوات او المزروعات. وماحدث لمفاعلي تشيرنوبل (Chernobyl) الأوكراني عام 1986 وفوكوشيما (Fukushima) الياباني عام 2011 خير مثال على ذلك، فاليوم وبعد مرور 34 عاما على حادثة تشيرنوبل، لاتزال أنواع من النباتات ملوثة بالأشعاع الذري، فالمعروف عن عنصر السيزيوم المشع انه يتغلغل داخل التربة ويصل جذور النباتات ويستمر في اشعاعه لعقود من الزمن، مما يعرض صحة الأنسان وحياته للخطر في حال تناوله تلك النباتات. والأمر ذاته يحدث في حال تناول الأنسان للأسماك التي اقتاتت مسبقا على الطحالب المنتشرة على سطح المياه والمصابة بالأشعاع.

تعتبر العناصر المشعة الناتجة عن التفجيرات النووية مسببا رئيسيا لأمراض السرطان وخصوصا سرطان الدم والطحال والعظام والجلد والغدة الدرقية (اليوم ورغم مرور فترة طويلة على حادثة تشيرنوبل لازال 40% من سكان المنطقة يعانون من امراض السرطان) ويصاب معظم الناس القريبون من موقع الحوادث النووية بسرطان الغدة الدرقية بسبب انتشار نظائر اليود المشعة 131- و 133 التي تكون مركزة في الأيام الأولى للحادثة. تتسبب الأشعاعات النووية كذلك في إصابة العيون بالمياه البيضاء وببعض حالات العقم لدى الرجال والنساء ولها آثار سيئة على الغدد الصماء. كما ان الأشعاعات الذرية تؤثر تأثيرا كبيرا على العوامل الوراثية للأنسان، وهذا ما حصل لمن تعرضوا للأشعاعات الناتجة من تفجيري هيروشيما وناكازاكي عام 1945 وحادثة تشيرنوبل 1986. اذ نتجت عن المصابين آلاف الولادات المشوهة.

وبطبيعة الحال تعتمد درجة الأصابة والضرر الناتج على مستوى الجرعة الأشعاعية ونوع الأشعاع (اشعة كَاما هي الأخطر) ومدى تحسس الجسم او العضو المصاب، وعموما فان النسبة الكبرى من الأصابات بامراض السرطان حول العالم سببها التأثيرات البايولوجية للتجارب النووية لكونها تطال كل عناصر الطبيعة. علما ان الأشعاعات النووية بجميع أنواعها تدخل الجسم اما مباشرة عن طريق التنفس او الجلد، او بشكل غير مباشر عن طريق تناول منتجات زراعية او حيوانية تعرضت مسبقا للأشعاعات، وفي كلا الحالتين يكون الضرر قائم وخطير.

اذن لأجل الحد من الكوارث البيئية والمخاطر والمشاكل الصحية التي تسببها المفاعلات والتجارب النووية، لابد من العمل على:
الحد من انتشار المفاعلات حتى لو كانت لأغراض سلمية.
تحريم التجارب النووية وسباق التسلح وعمل حظر شامل عليهما.
تحريم اِلقاء النفايات النووية في المياه او دفنها في مناطق قريبة من سطح الأرض او قرب المناطق المأهولة بالسكان.

نشرت في وجهة نظر

أولاً: لأنها ثورة وطنية خالصة.فمن أصل 202 ضابطاً من الضباط الأحرار لم يثبت إرتباط أي منهم بجهة أجنبية عند حصول الثورة وبأي شكل من الأشكال.

لقد خططوا ونفذوا إرادة الناس البسطاء الطيبين الذين أرادوا وتمنوا وجاهدوا من أجل التغيير.
إنها الإرادة الوطنية الخالصة.
ثانياً: لأول مرة في تأريخ العراق منذ عهد البابليين يحكم العراق مواطن عراقي عادي وهذه حقيقة لم يلتفت لها الكثيرون.
ثالثاً: إن الحقبة الإستعمارية التي استلبت واستعبدت العراقيين لقرون طويلة في مسلسل كان آخره العهد العثماني البغيض ثم الإحتلال البريطاني الذي أتى بأسرة حاكمة غير عراقية تساندها حفنة من الضباط من أصول غير عراقية واستمرار حكم الأقلية حتى الرابع عشر من تموز 1958
ولهذا يمثل الرابع عشر من تموز ضوءً ساطعاً وشهاباً منيراً في سماء كانت مظلمة لعهود طويلة
رابعاً : شخصية الزعيم المرحوم عبد الكريم قاسم المحبوبة البسيطة العراقية الأصيلة بكل تناقضاتها وأخطاءها غير المقصودة ،إيجابياتها وسلبياتها وردود أفعالها والأعظم أنه لم يتغير أبداً كإنسان حينما حكم ولم يسكره كرسي الحكم وخدم الكراسي وهذه بحد ذاتها تزكية تبعده عن صفات الناس العاديين وفي الحقيقة فهذه أسطورة بحد ذاتها فقد جاء للسلطة فقيراً معدماً وغادر الحياة مرفوع الرأس لا يملك شروى نقير.
لقد حكم ولم يملك غير قلوب الناس ولهذا تكالبت عليه قوى الشر يميناً وشمالاً ولأن كل هذه القوى تفكر كيف تحكم لتملك فالقوى السياسية تفكر هكذا وبالنتيجة وقع الإنسان الذي لا مصلحة شخصية أو عائلية أو قبلية أو دينية أو قومية له في خضم النزاع المستميت بين الشرق والغرب وفي ظروف بالغة التعقيد بين من يعرفون أن قاعدة الحبانية تقع في مسافة متساوية من حقول نفط باكو ورأس الخليج وتل أبيب وبين من يعرفون ويؤمنون أن جذور حضارة وادي الرافدين الممتدة لستة آلاف عام قد أتاها مارد جديد من أهالي الصويرة ربما كان جده الأعلى حامورابي
كان عبد الكريم قاسم غريباً عن كل هذه التناقضات وغريب حتى على من حوله لاستقامته المتناهية وامتزاجها التام بفكره العسكري الصارم ورغم ذلك فقد عفى عن كل من آذاه وبهذا عفى دون قصد عن كل من آذى الشعب العراقي وترفع ولم يلتق تماماً حتى مع تيارات الوسط الوطني الديموقراطي فهم أيضاً لم يستطيعوا الإرتفاع فوق الأحداث وفهم طبيعة الصراع المريرة ضمن إطار شخصية قاسم التي تأبى كل شيئ غير الإستقلال عن الجميع مع حب الجميع.
عاش ومات الزعيم ولم يكن لديه حزب إلا حزب الفقراء البسطاء الطيبين والذين أرادهم جماهير بلا تنظيم فكل تنظيم لديه يعني الإنضباط والإنضباط يعني شكلاً من أشكال العسكرة.
عاش ومات الزعيم وحوله جوقة من غير المخلصين له والذين تخيل أن عسكريتهم وانضباطهم ستردعهم عن فعل الشر أو الوقوف متفرجين ساعة الحسم وهذا ما حصل بالضبط.
الزعيم عبد الكريم قاسم جاء الى السلطة غير مسيس وتركها على نفس الحال ولهذا ملّهُ السياسيون المحترفون جميعاً ،أراد أن يبقى خادماً للشعب كما كان يردد وهذه ليست سياسة بمنطق المحترفين.
عبد الكريم قاسم هاوي كنسمة ريح طيبة هبت في فجرٍ تموزي مهيب ونسمات تموز قليلة لا تتكرر
خامسا :لأن كثيرا من المحللين والناس العاديين يحملون ثورة تموز جريرة كل الاحداث اللاحقة وحتى الان على أساس أن التغيير من الحكم الملكي الى الجمهوري وحكم الضباط اللاحق قد جر الى مسلسل الانقلابات اللاحقة وأوصل البعث الى السلطة في نهاية المطاف ودمر العراق تدميراً منظماً لأربعين عاماً ومهد الطريق لما وصلنا إليه اليوم من تدمير للبنية التحتية وأهمها الإنسان العراقي المدمر.
هذه مغالطة كبيرة وفيها الكثير من العيوب التي أهمها القراءة المنفردة لمجرى الأحداث ورؤية فصل واحد من فصول المأساة متعددة الجوانب والمساهمون كثر في دمار العراق.
إنما يسجل التأريخ أن الفترات التي حكم فيها العراقيون أنفسهم قليلة ونادرة وقصيرة فسرعان ما يتكالب عليهم الغرباء ويعودوا بهم الى الحكم الدكتاتوري المقيت حكم الأقلية.
سادسا : نحن نحتفل بثورة تموز لنرد الإعتبار لحركة الضباط الأحرار العظيمة ونؤبن من ماتوا دفاعاً عن مبادئها
المجد والخلود لشهداء ثورة 14 تموز المجيدة ومن استشهدوا دفاعاً عنها
المجد والخلود لك ياعبد الكريم قاسم الإنسان العراقي الشهم
أنت في قلوب العراقيين الشرفاء ما مر الزمان

نشرت في وجهة نظر
الأحد, 05 تموز/يوليو 2020 17:24

نهر الأردن

نهر الأردن Jordan River هو أحد الأنهار التي ورد ذكرها كثيرا في كتب التأريخ والكتب المقدسة بسبب اهميته كمصدر للثروة المائية ودوره الحيوي في الحياة الروحية والأجتماعية لشعوب بلاد الشام وشعوب وادي الأردن وفلسطين على وجه الخصوص، وله مكانة جليلة في قلوبهم وضمائرهم فمنحوه اهتماما واحتراما كبيرين، كما منحوا جانبا من اهتمامهم الى الروافد العديدة التي تصب فيه لأستقرارهم على ضفافها واعتمادهم على مياهها في حياتهم الزراعية والمعيشية. ولهذا النهر قدسية ومكانة خاصة ايضا بالنسبة للعالم المسيحي، ففيه نال السيد المسيح معموديته على يدي يوحنا المعمدان مطلع القرن الأول الميلادي. ونهر الأردن مهم أيضا بالنسبة للصابئة المندائيين اتباع يوحنا المعمدان الذي فضّل الأقامة عند هذا النهر ومارس في مياهه معظم معمودياته وطقوسه الدينية، ومنه انطلقت رسالته ودعوته للبر والتوبة. لهذا اكتسب النهر مكانة رفيعة في قلوب المسيحيين والصابئة لا تضاهيها منزلة بين الأنهار الأخرى واضفت تلك الأحداث عليه قدسية ومكانة روحية مضافة ومنحته منزلة رمزية كبرى منذ ذلك التأريخ حتى يومنا هذا. ونوال المعمودية في مياه نهر الأردن يعتبر بركة كبيرة في ضمائر المسيحيين، فتَحجّ اليه لهذه الغرض جموع غفيرة من المؤمنين من كل بقاع الأرض. ونهر الأردن اليوم يعتبر حدودا طبيعية فاصلة بين الأراضي الفلسطينية والأردنية.

يبلغ طول نهر الأردن حوالي 360 كيلومترا (اذا ماتم حساب تعرجاته الكثيرة) اما طول سهله فيبلغ حوالي 251 كيلومترا، وهو اخفض نهر في العالم (تحت مستوى سطح البحر) لكونه يجري في منطقة غور الأردن المعروفة بكونها اعمق بقعة مأهولة على سطح الكوكب. ينبع نهر الأردن من (جبل حرمون) الواقع بين سوريا ولبنان ويصب في بحيرة طبرية Tiberias في الشمال وفي البحر الميت في الجنوب، ويتكون من التقاء ثلاثة روافد هي (بانياس) القادم من الأراضي السورية و (اللدان) القادم من شمال الأراضي الفلسطينية و (الحاصباني) الذي يجري من الأراضي اللبنانية وهو اطول تلك الروافد (حوالي 65 كيلومتر). هذه الروافد الثلاثة تصب في حوض نهر الأردن في الجزء الذي يجري شمالي بحيرة طبرية والذي يطلق عليه الجغرافيون تسمية (نهر الأردن العلوي) ثم ينحدر جنوبا نحو طبرية فيصب مياهه فيها. اما الجزء الذي يسمى (نهر الأردن السفلي) فهو الممتد من بحيرة طبرية نزولا حتى البحر الميت، وتصب في هذا الجزء ثلاثة أنهار او روافد هي )اليرموك( الذي ينبع من الأراضي السورية، ونهر الزرقاء (يسمى – يبوق - في التوراة) ، كذلك تغذيه المياه المنحدرة من وادي كفرنجة (وادي عجلون)، إضافة الى مياه (عين جالوت) التي تصب فيه وهي عين مياه كبيرة متدفقة تقع في الأراضي الفلسطينية قرب منطقة او (وادي بيسان) عند نهر الأردن .

يتميز نهر الأردن بتعرجاته الكبيرة والكثيرة بشكل لانجد له مثيلا في الأنهار الأخرى، لكن مياهه رغم ذلك تنساب في جريانها بسرعة وسهولة كبيرة بسبب انخفاضه عن مستوى سطح البحر انخفاضا كبيرا، لكونه واقع في منطقة منخفضة كما ورد ذكره اعلاه. يبلغ اجمالي عدد السكان القاطنين حول حوض او سهل نهر الأردن الذي يمر في أراضي سوريا ولبنان وفلسطين وإسرائيل والأردن، حوالي سبعة ملايين نسمة (عام 2005)، وتتوزع مساحة الحوض على تلك البلدان بنسب متفاوتة وكالتالي: سوريا %37 ، لبنان %4 ، فلسطين %9 ، إسرائيل %10 ، الأردن %40 . وبطبيعة الحال يستفيد السكان القاطنون حول هذا الحوض من مياه النهر وروافده وجداوله في حياتهم اليومية وفي ري أراضيهم الزراعية، لهذا يعتبر من اهم مصادر المياه الدائمة لديهم ولايمكن لحياتهم الطبيعية او الزراعية الأستمرار من دونه.

ان طبيعة مياه نهر الأردن تتغير من فصل الى آخر تبعا لكمية الأمطار الساقطة او كمية السيول النازلة الى النهر من المرتفعات المحيطة، ففي مواسم معينة تكون مياه النهر صافية نقية وفي مواسم أخرى يتغير لونها وتتحول الى اللون البني بسبب الطمى والتربة الحمراء المنجرفة الى النهر مع السيول النازلة والتي تختلط بمياهه. هذا الأمر ربما كان السبب الذي دفع يوحنا المعمدان الى تفضيل استخدام مياه العيون في بعض المواسم من خلال تحويل مجراها الى السواقي المرتبطة بالنهر، أي استخدام المياه الناتجة من مزيج مياه النهر مع مياه الينابيع. يقل منسوب نهر الأردن في مواسم الصيف وتزداد ملوحة مياهه عند اقترابه من البحر الميت الشديد الملوحة حيث يصب فيه. يبلغ عرض النهر (المياه وليس الأكتاف) في موقع المغطس (الذي كان يقيم فيه يوحنا المعمدان وفيه أجريت معمودية المسيح) في الوقت الحاضر حوالي 29 قدما (9 متر)، ولايغطي اسفل الضفة الأخرى التي ترتفع عن مستوى المياه بحوالي 10 اقدام، سوى الأحراش المتنوعة التي تزداد كثافتها وتقل من مكان لآخر. ونهر الأردن عموما ليس من الأنهار العريضة اذ لايزيد معدل عرض اكتافه عن 16 متر.

اما بالنسبة الى سبب اطلاق تسمية (الأردن) على هذا النهر ومعنى الكلمة في اللغات المختلفة، فقد اختلفت الآراء حولها وتعددت، فبعض الباحثين يرى ان كلمة (يردن Jordan) يونانية مأخوذة من اصل لاتيني، وتعني الماء النازل او السريع الجريان، وسمي النهر بهذا الأسم لكون مياهه متدفقة دائمة الجريان طيلة أيام السنة. اما الباحث كمال الصليبي فيذكر ان كلمة (اردن) المتداولة مشتقة من المصدر (يرد) الذي يعني انحدر، هبط "من ناحية علم أصول الكلمات، ان يردن التوراتية هي اسم مشتق من المصدر يرد، الذي يعني (إنحدرَ، هبطَ ، سقطَ). ومن الجذور التي تقابل يرد بالعربية (ردى) بمعنى (سقط، تهورَ من جبل عالٍ)." وفي اللغة العبرية يُطلق على النهر تسمية (ياردن) وتعني ينحدر او يتدفق. وفي اللغة المندائية الآرامية ترد كلمة (يردنا) مشتقة من الجذر اللغوي (ردى) بمعنى سالَ او جَرى، ومجازا يكون معنى الكلمة هو الماء الجاري، أي المتدفق، وهو عكس الساكن.

 

نشرت في وجهة نظر

إِنَّ كل التعاليم والمبادئ والتشريعات السماوية والوضـعيـة التي عـرفتهـا البشرية عـبر مـراحل تاريخاها الماضي والحاضر، هـي تنطلق من مصلحة الإِنسانية عـامةً وليس لجزء أَو بضعة أَجـزاءٍ منها ، أَي من أَجل المساواة بين كل البشر وتوفير كل أَسباب الحياة الحرة الـكريمة والرفاهية لهم ، وألأُهم وقـبل كل شيئ توفير سبل ووسائل حـمايتهم والحفاظ عليهم من كل شيئ يهدد حياتهم ووجـودهم على هـذه الأَرض .. والمفروض أَن يتحقق هذا بظل حكومات الأُمم التي تُـمثِّل البشر والتي يجب أَن تـحرص تماماً عليهم وتخاف على مصيرهم من كل خطر، وذلك بوجوب سعي هذه الحكومات بكل جـدية وشعور بالمسؤولية ، لتحقيق الوحـدة الأُمـمية والسلام العالمي وتوحيد وتظافر جهود كل الأُمم في مجالات العلم والتكنولوجيا والطب ، وجعل كل الثروات والخيرات الطبيعية والمالية لمصلحة كل البشرية لتعيش بنعيم الحياة على هـذه الأَرض في عالم يسوده السلام والـطمـأنينة و الحضارة وخالياً تماماً من الأَمـراض والكوارث ـ 

من سنين ، مـنـذُ أَن كنا في مقتبل شبابنا ونحنُ نسمع عـبرَ الراديو والتلفـزيون باسم ( الأٌمم المتحدة ) ـ
هـذا المسمى العظيم ظلَّ حبراً على الورق ، فلم تكن الأَممُ يـوماً مـتحـدة بل أُخوة أَعـداء ، فلكلِّ أٌمـة من هذه الأُمم جيشاً وأَسلحـةً دمـار تـصـرف عـليها من قـوت حياة شعبها الملايين أَو المليارات من الدولارات ، فكيف تكون هـذه أَمـماً مـتحـدةً وهي تخاف بعضها ومستعدة لتحريك جيشها واستخـدام أَسلحة الدمار الشامل ضد بعضها لأَي خلاف على المصالح المادية يحدث بينها ، فـلننظر إِلى واقع حال هـذه الأُمم
المتحدة خلال الخمسين سنة الماضية هل كانت كلها تعيش في استقرار وسلام وشعوبها تنعم بالحرية ، والرفاهية والتقدم الحضاري في كل مجلات الحياة ؟ بالتأكـيد الجواب كلا ، فـهـذه الأُمـم التي تسمى زيفاً
( بالأُمم المتحدة ) تقسم إِلى درجات ، دولٍ كبرى رأسمالية صناعية تملك الموارد الهائلة والقوة العسكرية الجبارة والتكنولوجية والتقدم الحضاري ، ودولٍ أَخرى متخلفةٍ ضعيفةٍ بكل المقاييس تعيش تحت وصاية وتوجيهات والسير بما يلائم سياسة مصالح الدول الكبرى ، سـيـدٌ ومسود ، وكلنا نعرف
من الذي وراء تخلف وزعـزعة أَوضاع ودمارعلى مدى عـشرات السنين للعراق وسوريا ولبنان ومصرودول المغرب العربي ودول الخليج واليمن وإِيـران وافغانستان ودول أَفـريقيا ودول أُخرى . بظل
هـذه الأمم المتحـدة صارت البشرية تعيش تحت تهديد الأَسلحة النووية والتجارب الذرية للدول الكبري
التي تلوث البيئة بالإِشعاعات القاتلة إِضافة إِلى ما تنفثه ملايين مصانع شركاتها الصناعية الجبارة من
الملوثات التي ساهمت وتساهم كل يوم بتلويث كل شيئ في الطبيعة كل هذا جعل العالم يضيع رويداً
رويـداً في سحابة الموت البطيئ ، إِذا لم تتحـد الأُمُم صغرى وكبرى اتحاداً حقيقياً وليس صورياً ، ويعمل
الجميع بالواقع يـداً بـيـد وليس بالكلمات لإِنقاذ الحياة على الأَرض التي بات التهـديد يحيط بها في كل مكان ، تـهـديد الكوارث الطبيعية ، الزلازل والبراكين والأَعـاصيىر المدمرة ، ثـم كـوارث الفيروسات والسرطان
ومختلف الأَمـراض التي أَخـيرها وليس آخـرهـا فيروس كـورونــا الذي اجتاح كل العالم كوحشٍ كاسرٍ
وراح يـصيبُ ملايين البشر ويقتل منهم مئات الآلاف خلال بضعة أَشهر، وكل حكومات هذه الأَمم المتحدة
تقف عاجزةً هـَلِـعـةً أَمامـه ، والسبب هـو الدول الكبرى التي تتحكم بمصير العالم وجعلت من الأَمم المتحدة لا متحـدة لإِن الإِتحاد قـوة فـأَين قوتها أَمام هـذه الكوارث التي باتت تهدد البشرية بالفناء إِذن
فليتحـد العالم اتحاداً حقيقياً من أَجل البقـاء والحفاظ ليس على حياة البشرية فقط بل وحياة كل ما موجود
في الطبيعة من أَحياء بعد أَن تتحول كل السيوف إِلى محاريث وكل الأَسلحة إِلى مصانع لحاجات الغذاء والكساء والدواء ووسائل مكافحة كوارث الطبيعة بـعـد أَن يتم ضخ الحياة في جسد منظمة الأَمم المتحدة
الميت ، وجعل كل منظومتها ( مجلس الأَمن ، ومحكمة العدل الدولية ، والبوليس الدولى ، ومنظمة حقوق الإِنسان وغيرها ) تعمل ليل نهار من أَجل حياة ومستقبل كل شعوب ( أُمم ) العالم بعدالة ومساواة تامـةٍ وإِزالـة كل أَسباب التوتر والنزاعات بين حكومات الدول نهائياً ، والقضاء التام على كل بؤر الإِرهـاب في العالم ، وإِعـطاء الحق لمنظمة الأَمم المتحـدة التدخل بالقوة لإِسقاط وازاحة أَيةِ حكومة ظالمة فاسدة
لا يـريدها الشعب ... وتحقيق سيادة القانون والديمقراطية لكل شعوب الأُمم المتحدة ، وتنشيط فـرق العمل المعنية بالكوارث الطبيعية والأَزمات الصـحية العالمية ، ليتحقق على أَرض الـواقع العمل بما مكتوب في بطاقة منظمة الأُمم المتحـدة هي : ( السلـم والأَمن والتنمية المستدامـة وحقوق الإِنسان و
المساعدة الانسانية ) والمساواة بين بشرٍيعيشون بسلام ومحبةٍ وتـعاونٍ في كل مجالات الحياة على كـوكب ينعم بالصحـة والعافية والسلامة ، وبـهـذا تـكـون منظمة الأُمم حـقـاً مــتَّــحـــدةً .


الـسـويـــد
2 / 5 / 2020

نشرت في وجهة نظر


حقق اومبيرتو ايكو من ورائها الشهرة والغنى في وقت واحد

يتمتع المفكر والكاتب وعالم السيمائيات الراحل اومبيرتو أيكو(1932 ــ2016) بجاذبية خاصة، فهو علامة فارقة في تاريخ الكتابة الحديثة بشقيها، خلقا ونقدا، وهو مثقف يتنقل ما بين المواضيع والمباحث المعرفية والاشكال التعبيرية برشاقة وتمكن نادرين ،اذ يستحيل ذكر هذا الكاتب من دون التوقف عند عمله الروائي الاشهر " اسم الوردة" الصادر عام 1980 والذي تحتفل ايطاليا رسميا هذه الايام بمرور 40 عاما على اصدارها، نظرا الى أهمية العمل الذي بيع منه اكثر من خمسين مليون نسخة وترجم الى اكثر من ثمانين لغة في العالم. ومن خلال منصتها الثقافية، تقيم وزارة الكنوز الثقافية الايطالية مهرجان ثقافي يستمر عدة ايام من خلال شبكاتها" اونلاين"، جنبا الى جنب مؤسسات ثقافية اخرى ، وابرزها مؤسسة سانتا ايجيدو العالمية للثقافة والفنون، مؤسسة أومبيرتو أيكو للتاريخ والتراث العالمي، مؤسسة ليبوريا فليكس للثقافة، مؤسسة اتريا للثقافة ، المؤسسة الثقافية للتاريخ والتراث في مفاطعة بيومنتا، منظمة مكلوك الثقافية، منظمة امبيري للثقافة والفنون، اكاديمية الفنون في مدينة بولونيا، منظمة الكتاب الايطاليين، نقابة الكتاب الايطاليين في بولونيا، منظمة الكتاب والشعراء الايطاليين... الخ. كما يشمل البرنامج الذي تساهم بنقل فقراته القنوات التلفزيونية الايطالية الرسمية المتخصصة بالثقافة والفنون، وسيتاح لمتابعي المنصة الثقافية لوزارة الكنوز الثقافية الايطالية ، متابعة لقاءات مباشرة مع مجموعة من الكتاب والشعراء والروائيين والروائيات الايطاليين ، نذكر منهم، الكساندر بريكو، تيتساينو تيرازيني، باولو جوردانو، داتشا مارييني، جورجو فاليتي، لويجي ديل روسو، الينا فرانتا، ستفانيا اوجي، روبيرتو سافيانو، فاليلاريو ماسيمو مانفريدي، واخرين. ويشمل البرنامج قراءات ممسرحة، وعروضا تلفزيونية وثائقية عن حياة وعمل الكاتب الراحل، اضافة لعرض فيلمين سينمائيين، اميركي وايطالي يحمل كل منهما عنوان" أسم الوردة" .
يعتبر أومبيرتو ايكو، مؤلف الكتب المنشورة الأكثر مبيعا في العالم بأسره، في معظم أعماله الروائية والنقدية ومحاضراته الجامعية، كان يركز على" التوجه العلمي كأسلوب نقدي للنظر الى الاشياء التي تحتوي عليها العلوم الاخرى" وكان على الدوام يسخر بشدة من أولئك الذين يدافعون عن المزاعم القائلة بانه ينبغي لنا ان نتعاطى مع الادب بمزاج اكثر روحانية او حدسية. ويضيف "ان البحث العلمي الدقيق وحده الذي سيجبر كلا من القصيدة والرواية على البوح باسراهما". وركز أيكو "بان الكتابة لا تستطيع ان تقول كل شيء ولا يمكن ان تسمح لأي كان ان يقول ما يريد، فالفكر اللاهوتي أسس الكنيسة على انها سلطة تتحكم في التأويل، وهي تستمد فعلا من هذه السلطة ضماناتها. ولهذا فإن تزايد التأويلات يجب ان تكبح جماحة التقاليد، اما الضامن للتقاليد فهي الكنيسة".كما انه سخر بشدة من " اولئك الذين يدافعون عن المزاعم القائلة بانه ينبغي لنا ان نتعاطى مع الادب بمزاج اكثر روحانية او حدسية" وكان يؤكد على الدوام "بان البحث العلمي الدقيق وحده الذي سيجبر كلا من القصيدة الشعرية والرواية على البوح باسرارهما" .
أومبيرتو أيكو، الذي تخصص بدراسة الفلسفة وعلم الجمال في العصور الوسطى، ونال شهادة الدكتوراه من جامعة تورينو عام 1956، باطروحة عن فلسفة الجمال عند الفيلسوف الايطالي "توماس الاكويني 1225ــ1274"، اهتم بدراسات الثقافة والفنون في العصر الحديث، لكن ظلت العصور الوسطى حبه الثقافي الاول، وانعكس ذلك على كثير من كتاباته النقدية والابداعية، ولا سيما روايته الاولى " أسم الوردة" التي صدرت مثل هذه الايام عام 1980 ، فقد استعار أيكو بيتا من الشعر كتبه باللغة اللاتينية احد شعراء العصور الوسطى واخذ منه اسم الرواية " أسم الوردة" ثم انهاها به. بل مزج في سياقها الكثير من الفقرات اللاتينية، وحكايات الثورات الاجتماعية والصراعات البابوية والعلمانية على السلطة، كما مزج الكثير من التفاصيل عن مكتبات الاديرة والاثار الفنية والمعمارية في تلك الفترة. يقول بيت الشعر المذكور:
وردة الزمن القديم لايبقى منها
غير الاسم
ونحن لانحمل الا الاسماء
رواية" أسم الوردة" التي تدور احداثها حول سلسلة جرائم وقعت في احد الاديرة ، تركز على تبديد وطأة الظلام الذي يعيش فيه العقل في العصور الوسطى ، حيث اشتغل أيكو كثيرا على دمج هذه المادة المعرفية في لغة حوارية شفافة، تنطوي على سخرية لاذعة. وضمن هذه السخرية يختبر أيكو الكثير من المعاني الملتبسة والغامضة لمفاهيم دينية بسيطة، اصبحت تجد تأويلاتها، بفعل الجدل الأرسطي .
يشرح أيكو سبب اختياره القرون الوسطى كزمن خاص لروايته معترفا بان الفكرة ولدت لديه عام 1978 وكانت مغلفة بالرغبة في تسميم راهب، مما سيدفعه الى البحث المطول في تاريخ الرهبان والاديرة والتراث في القرون الوسطى، فهو يبدأ بالكتابة ، الا انه يتوقف لمدة سنة كاملة بسبب اكتشافه ان كتابة رواية لاتعني فقط ترصيف مجموعة من الكلمات والاحداث، لذا أعطي لنفسه فرصة طويلة لتغيير خطة عمله الروائي ووضع نموذج مستقل غير مكرر، اذ كان هدفه بناء عالم كثيف في أدق جزئياته وتفاصيله، لان بناء هذا العالم يشكل الاساس، اما الكلمات وبناء الجمل فتأتي من تلقاء نفسها، وبهذا المسار يقرّ أيكو انه هناك جنسين ادبيين مختلفين، " امتلاك الاشياء سابق على وجود الكلمات، وهو عكس ما يحدث في الشعر حيث امتلاك الكلمات سابق على امتلاك الاشياء".ولكن الاهم من هذا انه أدار الرواية بأحد الاديرة الايطالية في القرن الرابع عشر ، وجعل محورها جريمة قتل غامضة. واستعار أيكو لروايته الطابع البوليسي، لكنه يصفها بالخادعة، حيث لايتم في النهاية اكتشاف اي شيء ولا يصل الى التحقيق الى اي نتيجة، وتبحث فصول الرواية في السياق التاريخي، عن لغز يجري في احدى الكنائس الايطالية، حيث يحض احد القساوسة القادم من انكلترا ليحقق في حوادث موت غامضة تحدث عنها القساوسة في كنيسة ايطالية، وكلما اقترب المحقق من اكتشاف السر يعثر على شبكة من الاسرار التي تحكم عالم الكنائس آنذاك. الانغلاق والقتامة والانضباط الاعمى والقبح النفسي. وهنا يكتشف المحقق القسيس ان وراء الوفيات هو كتاب سري، يدعو للفرح، النفسي والجسدي، فقام مسؤول مكتبة الكنيسة بتسميم صفحاته حتى يحرم الذين يخرقوا التابو الكنسي من متعة الفرح والسعادة
بعد ثلاث سنوات على صدور روايته " أسم الوردة" ، اصدر ملحقا نقديا على هيئة كتاب عنوانه" حاشية على أسم الوردةــ آليات الكتابة" حاول من خلاله ان يضيء الرواية من حيث الفكرة والعنوان والبناء والرؤية، بالشخصيات والاحداث وحبكة الرواية محاولا بسط أفكاره وقناعاته الادبية. في هذا السياق، يستهل أيكو كتابه قائلا" في الرواية التي يكتبها اي كاتب روائي لاتقع في ذهن القارىء دائما بالصورة نفسها او بالشكل الذي ألفت فيه او الذي يتوخاه الكاتب، لكن أيكو يملك ذكاء الكتّاب الكبار، فهو يعلن منذ البداية انه" يريد قارئا حرا غير مقيد بتوجهات المؤلف". لقد حرص أيكو على ان تعمل الرواية بافكاره السيميولوجية، وان تقوم تلك النصوص والتفاصيل مقام العلامات، وان تؤدي هذه العلامات دور الشفرة للقارىء، فتوحي اليه بما لم يصرح به الكاتب. وقد صرح هو بنفسه عقب ظهور الرواية بانه يدعو فيها الى التعقل والتسامح وحرية الفكر، ولكن بشكل سيميولوجي، غير مباشر. عن طريق هذا العمل الروائي حقق أيكو الشهرة والغنى في وقت واحد، ولكن الشهرة والثراء لم يعطلاه عن عمله الاساسي، وهو التعليم والنقد الادبي والتأليف في علم السيميولوجيا، جنبا الى جنب اهتمامه بالثقافة الجماهيرية ووسائل الاتصال الجماهيري، وتشهد له الساحة الايطالية وقوفه المنحاز لقوى اليسار، مطالبا بدراسة مختلف وسائل الاتصال الجماهيري بغرض تحسين مفعوله الثقافي.
نفهم من هذا ان اومبيرتو ايكو يحاول تبرير إصداره لهذا الكتاب، ويحاول بالضرورة ان يقصي الفكرة المسبقة لدى القارىء بكون هذا الكتاب مأهولا بالحمولة التأويلية، او انه يندرج ضمن المؤلفات ذات الوظيفة التوجيهية. فالكتاب يترك للقارىء منذ البداية بانه لايريد شرح مضامين " أسم الوردة" او يفصّل مادتها، انما يتيح للقارىء ان يقف عند التصور الابداعي للمؤلف "الذي يجعل من النص مشاهدة معرفية لاتنتهي، او يحول المعرفة الى وضعيات انسانية ترتقي على الفردي وتتجاوز اللحظة العرضية الزائلة".
ويذكر بان أيكو ، كان ينوي اطلاق عنوان للرواية " دير الجريمة" او عنوان " ايدزو دومنيك" قبل ان يستقر على العنوان المتداول " أسم الوردة"، ويبدو انه فضل مسار آخر بهذا الاختيار، بالرغبة بعدم التدخل في مسار التلقي بصورة مباشرة، فبحث عن عنوان محايد لا يحيل على ابطال الرواية او مكان حوادثها او النوع الذي تنتمي اليه. تاريخ، اجتماع، سياسة، عاطفة، فهو مشهور بوضع العناوين الخادعة في جميع اعماله التي بلغت 16 عملا روائيا، وفي معظم عناوين مقالاته ودراساته، لانه يريد تجاوز الوظيفة الكلاسيكية للعنوان كونه مفتاحا للنص او دليلا اوليا اليه.
المعروف عن هذا المبدع الكبير، نفيه وجود الالهام المهيمن والمتحكم في مسار العمل الروائي، فهو يؤكد على جود الكاتب الذي يشكل نسبة 80 في المئة من عملية الخلق، اما صياغة المفردة لغويا فانها لاتشكل الا 5 في المئة وهذا هو معيار الفشل والنجاح في عمل الكاتب.
ويذكر بان اومبيرتو أيكو تحدث في اكثر من مناسبة عن رأيه ومشاعر الخيانة حين شاهد روايته بفيلم سينمائي عام 1986 من قبل المخرج جان جاكوس اناود ، وتمثيل شين كونري حمل نفس الاسم فقال: " التغيرات التي ستطرأ بالتاكيد محتومة، فما يكتبه الكاتب يجسده الفيلم ويصوّره والعكس بالعكس". ويضيف قائلا، "ولانني أدركت هذا الامر، أتخذت ازاء الفيلم موقفا هادئا ومطمئنا وقلت صراحة ، سيكون ذلك عمل شخصي". ويؤكد بان " اللذة كل اللذة، هي ان لايتوقف النص عن الاحالات والا ينتهي عند دلالة بعينها. فما دام النص وليفا لاسنن بالغة التنوع والتعدد، فلا وجود لاية صفة قادرة على إستيعاب مخلفات سلسلة لتأويلات هذه. فالبحث عن عمق تأويلي يشكل وحدة كلية تنتهي اليها كل الدلالات سيظل جميلا ومن أجله ستستمر مغامرة التأويل حتى وان كان الوصول الى هذه الوحدة أمرا مستحيلا".

نشرت في وجهة نظر
الصفحة 1 من 20

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014